تدوينات تونسية

أحلامي الصغيرة

حسن الصغير
عندما كنت صغيرا كانت لدي أحلامي ككل الأطفال وربما كانت احلامي صغيرة مقارنة بغيري بحكم الجغرافيا والمستوى الاجتماعي وحين كبرت نسيت أغلب أحلامي ما تحقق منها وما لم يتحقق لكن حلمين صغيرين ظلا في ذاكرتي دوما ولا زلت الى اليوم اذكرهما.
الحلم الاول كان في طفولتي المبكرة حيث كانت الحلوى بعيدة المنال ولا نراها الا في مواسم الافراح وكانت تعوضها كمية صغيرة من السكر كنت لا أحصل عليها إلا بشق الأنفس.
فكنت أجلس قرب والدتي وهي تعد الشاي واستدر عطفها بشتى الطرق حتى أحصل على كمية قليلة من السكر وكانت تلبي طلبي احيانا وتنهرني احيانا اخرى ربما خوفا على اسناني من التسوس او خوفا على كمية السكر القليلة من النفاذ قبل موعد التموين الجديد وربما الاحتمال الثاني اقرب وهي معذورة في ذلك فكثيرا ما يعوزنا ثمن كيلوغرام من السكر و100 غرام من الشاي الاسود هي تسلية كبار الاسرة الوحيدة.
فكنت حين اخلو الى نفسي اقول عندما اكبر ساشتري كمية كبيرة جدا من السكر ربما كيس مثل ذاك الذي رايته عن التاجر وسآكل منه قدر ما أشاء ووقتما أشاء ولن يردعني رادع.
أما حلمي الثاني فتولد لدي عندما كنت في اواخر المرحلة الابتدائية وهو حلمي بان اراجع دروسي في البيت على طاولة وكرسي مثل التلاميذ السعداء الذين تملأ صورهم الكتب المدرسية.
فقد نشات في بيت ريفي موغل في البساطة لا طاولة فيه ولا كراسي ولا اسرة نوم حيث كنا ننام على حصير من نبات الحلفاء ونتناول اكلنا جالسين على الارض وكذلك نراجع دروسنا ممدين على بطوننا او جالسين مع انحناءة خفيفة حتى نستطيع الكتابة والقراءة.
وكنت حين ارى صورة طفل يراجع دروسه على طاولة وكرسي وتحت النور الكهربائي اجدني عاجزا عن تخيل مدى السعادة والراحة التي يحس بها.
وذات يوم ذهب الاهل الى احد الاعراس في القرية وبقيت وحيدا احرس المنزل والشويهات فحدثتني نفسي بتجربة اعداد الدروس وانا جالس على كرسي وكراساتي وكتبي فوق الطاولة فبحثت في ارجاء البيت عن اي شيء يمكن ان يلعب دور الطاولة وبعد لأي قررت أن أستخدم صندوق امي الخشبي المزركش التي تضع فيه اغراضها الثمينة على قلتها، طاولة بعد ادخال بعض التعديلات على وضعه فهو اقصر من الطاولة بقليل لذلك اهتديت لان افرغه من محتوياته واضع تحته بعض الحجارة المسطحة حتى يرتفع قليلا وبقيت معضلة الكرسي.
لم اجد داخل البيت ما يصلح لذلك فجربت قدرا كبيرا من الفخار لكنه لم يف بالغرض المطلوب وبعد بحث مطول عثرت على عربة صغيرة بعجلة واحدة لنقل الاغراض نسميها محليا برويطة ويستخدمها والدي رحمه الله في نقل التراب والحجارة في الحقل فوضعتها امام الصندوق الخشبي ووضعت مخدتين داخلها ثم جلست على المخدتين فوق البرويطة بمواجهة الصندوق المعلى بالحجارة ورحبت بنفسي على مكتبي الجديد.
لا أخفيكم أني لم أشعر بالراحة التي كنت اتصورها ربما بسبب التنافر بين الطاولة والكرسي المفبركين او لاني لم املا البرويطة بما يكفي من الاجسام حتى تقرب من ارتفاع الكرسي العادي المهم اني اعددت يومها دروسي على طاولة وكرسي مثل تلاميذ الكتب السعداء حتى لو شابت العملية بعض النقائص.
وبعد سنوات اشترينا طاولة وعددا من الكراسي متواضعة النوعية من سوق إحدى البلدات القريبة لكني لم استعملهم وأحقق حلمي الصغير ربما لاني ودعت مرحلة الطفولة وصرت على اعتاب المراهقة وطبيعي ان تتغير أحلامي!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock