العدالة المهنية

محمد بن جماعة

شاركت في طاولة مستديرة تناولت مظاهر التمييز العنصري والديني والإثني في إطار العمل في مقاطعة كيبيك، نظمتها جمعية “قانون، تنوع، حوار (Droit, Diversité, Dialogue)” التي أشغل فيها منصب نائب رئيس. وجاءت هذه المبادرة في سياق السعي لتعزيز العدالة المهنية وضمان تكافؤ الفرص داخل بيئات العمل المختلفة.

في شهادتي الشخصية، تناولت تجربتي في جامعة أوتاوا، والتي انتهت في عام 2019 بسبب تراكم ممارسات تمييزية كان لها تأثير نفسي مهدِّم على مسيرتي المهنية السابقة. وأوضحتُ من خلالها أن تغييب التقدير المهني عن الموظفين المستحقين يُعدُّ أحد مظاهر التمييز العنصري غير المباشر (discrimination implicite)، حيث يؤدي إلى إحساس متزايد بالإحباط والعزلة وقد يؤثر سلباً على الأداء العام للموظف والفريق. من هنا، برزت الحاجة الملحّة لوضع آليات واضحة للتقييم العادل والشفاف، وتوفير بيئة عمل تشجع على التنوع والاندماج.

تزامناً مع الورشة، تذكرتُ الرسائل التقديرية التي تلقيتها مؤخراً من عدة مديرين في مطار مونتريال، والتي جاءت نتيجة مشاركتي في عدة مشاريع خلال الفترة الأخيرة.
بالتجربة، يواجه بعض المديرين من حين لآخر، ضغوطاً شديدة نتيجة تزاحم المسؤوليات واضطرابات في أداء بعض أعضاء الفريق. وفي ظل هذه الظروف، يُعد وجود شخص يتمتع بقدرات أداء عالية وقدرة على تعويض غياب الآخرين من العوامل الجوهرية التي تُكسب المديرين شعوراً بالثقة والاعتماد.
وقد شهدتُ ذلك عملياً مع أربعة مديرين وقائد فريق، مما أكد لي أن اكتساب ثقة الإدارة لا يرتكز فقط على النتائج الفردية، بل يستلزم أيضاً قدرة الموظف على التفاعل الإيجابي مع ضغوط العمل وتقديم حلول عملية للمشكلات الناشئة.

ويكفيك حينها كلمات شكر وامتنان تأتي من المدير. إحداهم (معروفة لدى الكثيرين بأنها لا تشكر الموظفين على عملهم)، قالت لي: “بصدق، لا أدري ما الذي كان سيحصل لنا في هذا المشروع لولا وجودك، ووقوفك وراء الجميع، وانتباهك للتفاصيل”. وهي ثاني مرة خلال عام واحد، تشكرني فيها بجمل لافتة للانتباه..

وأخرى قالت في مشروع ثاني: “ما قمت به في المشروع له قيمة مفصلية، وقد عجزنا عن القيام بهذا طوال 4 أو خمس سنوات.. وأنا مرتاحة الآن إلى أن عملك سيؤدي لتطوير أداء فرق الدعم التقني وعلاقتهم بالمستخدمين”.

درسان للتعلم:
1- هي أحيانا مجرد جملة.. أو حتى مجرد كلمة “شكرا” تقال.. تعطي دفعة نفسية قوية لمزيد البذل.. والمدير الذكي والصادق هو من يعرف متى يتوقف عند أداء أحد موظفيه، للاحتفاء به..
2- شخصيا، تعلمت من التحديات التي واجهتها، أن كل موقف سلبي يمكن أن يصبح درسا يمكن تحويله إلى فرصة للنمو الشخصي والمهني. فالاستفادة من التجارب الصعبة لا تقتصر على تجاوزها، بل تكمن في استغلالها لتطوير مهارات التعامل مع الضغط، وتحسين التواصل مع الزملاء، وتطوير استراتيجيات مواجهة التحديات المستقبلية.

تحويل الألم إلى دافع للتعلم والابتكار يعزز الثقة بالنفس ويدعم قدرة الفرد على قيادة التغيير داخل بيئة العمل، مما يساهم في بناء مستقبل مهني أكثر استدامة وإيجابية. وهذا ما خصل لي بعد تجربة جامعة أوتاوا.