تدوينات تونسية

من وعد “بلفور” إلى وعد “ترامب”

صالح التيزاوي

قرن من الزّمان مرّ على وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. حيث رغب الأوروبّيون في التخلّص من صداع اليهود، ولكن على حساب العرب والمسلمين الذين لم يتورّطوا يوما في اضطهاد اليهود. ولم يكن الأمر ليجد طريقه إلى التّنفيذ لولا تآمر المعسكرين الشرقي والغربي على العرب والمسلمين، فأمدّا الصّهاينة بأسباب القوّة العسكريّة والمادّيّة، لينطلقوا في عمليّة تهويد للمقدّسات لم تهدأ، حتّى أدركها وعد ترامب.

فشل العرب والمسلمون في التصدّي للوعد الأوّل أو حتّى في التّخفيف من آثاره المدمرة على الفلسطينيين وعلى الأمّة، كما فشلوا في كلّ حروبهم التي ما تكاد تبدأ حتى تنتهي بهزيمة أشدّ من سابقاتها، وسط تضليل إعلاميّ مؤمّم، آت من”صوت العرب من القاهرة”، يصوّر الهزيمة نصرا والنٍكبة نكسة للتّخفيف من وقع الهزيمة (حزيران 1967) على الشّعور القومي، وللتّخفيف من الضّغط على عبد النّاصر المسؤول الأوّل عن الهزيمة، صاحب مسرحيّة “التّنحّي” ومسرحيّة الحشود الشّعبيّة المطالبة بعودته ليكمل “مسيرة الكفاح” وليحققّ القائد المهزوم للجماهير المخدوعة في الممثّل المشهور حلم العودة.. وفي نهاية المطاف لا نحن عائدون ولا هم يحزنون.

تحلّ هذا العام ذكرى وعد بلفور وقد حلّ على رؤوس العرب والمسلمين إنفاذ ترامب لوعد أمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلّة وشرعنة المستوطنات، التي لم تعد ترى فيها الإدارة الأمريكيٍة إنتهاكا لقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وسط صمت دوليّ على جرائم الإحتلال وعلى جرائم شرعنته، ووسط صمت عربيّ تطوّر من التّآمر السّرّي إلى التّحريض العلني على المقاومة وعلى القضيّة الفلسطينيّة فيما بات يعرف “صفقة القرن”.

وفيما اكتفي النّظام العربي الرّسمي بممانعيه وبمطبّعيه بعبارات بائسة كبؤس أصحابها من نوع الإمتعاض، ووصف القرار بأنّه مستفزّ وأنّه يتعارض مع قرارات الشّرعيّة الدّوليّة لأنّهم منشغلون بإخماد ثورات شعوبهم المطالبة بالحرّيّة والتّحرّر من أنظمة استبداديّة، لا يشغلها سوى الإحتفاظ بالسّلطة مهما كان الثّمن الذي يأخذه الكفيل نظير حمايتهم ومهما كان حجم الضّحايا من شعوبهم. فإنّ الصّهاينة تلقّفوا الوعد الثّاني كما الأوّل وانطلقوا في عمليّة تهويد وتغيير للمعالم التّاريخيّة والحضاريّة للقدس وأخواتها، عبر طرد المسلمين والمسيحيين من ديارهم والإستيلاء على ممتلكاتهم، وهدم البيوت لأسباب واهية، والتّمدّد في الحفريّات، طولا وعرضا وعمقا حول المسجد الأقصى مدفوعين بأوهام وخرافات لا أساس لها من الصّحّة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock