تدوينات تونسية

متقاعدو فوكوشيما وقضية الميراث

حسن الصغير
قد تستغربون ما العلاقة بين المتقاعدين اليابانيين من محطة فوكوشيما النووية وقضية الميراث؟ وفعلا يبدو الأمران للوهلة الأولى متباعدين جدا حتى يصبح الجمع بينهما من قبيل السخرية والنكتة السمجة لكن لنسمع القصة أولا.
فعندما ضرب زلزال فوكوشيما المدمر سواحل الجزيرة اليابانية في عام 2011 تضررت المحطة النووية وخرجت من الخدمة وباتت تهدد كل سكان الأرخبيل الياباني وكان لابد من التحرك سريعا لاحتواء الضرر ومنع تمدد الأشعة النووية القاتلة، لكن دخول المكان في حد ذاته يعد مجازفة كبرى لذلك فتحت الحكومة اليابانية باب التطوع لمن يريد من مهندسي المحطة وعمالها المشاركة في عمليات الإصلاح لكنها أعلمتهم بوضوح أنه من المحتمل جدا أن يتعرضوا للأشعة النووية القاتلة خلال العمل على إصلاح المحطة ولن تتحمل الحكومة أية مسؤولية.
ولكن حدث أمر غريب فقد فوجئت إدارة المحطة النووية بالمهندسين والعمال المتقاعدين يتطوعون لعملية الإصلاح ويمنعون المهندسين والعمال والإداريين الشباب من المشاركة في العملية خشية تعرضهم للإشعاع القاتل.
وفسر المتقاعدون هذه الخطوة بأنهم مسنون وحياتهم أصبحت وراءهم لذلك لن تكون خسارة اليابان كبيرة إذا ماتوا بسبب الإشعاع بينما المهندسون الشبان مازالت حياتهم أمامهم ومازالوا قادرين على العطاء وموتهم سيمثل خسارة كبيرة لليابان.
وفعلا أصلح المتقاعدون المحطة وأعادوها للعمل وحين زال خطر الإشعاع عاد المهندسون الشبان للعمل بالمحطة النووية في مناخ آمن وعاد المتقاعدون لبيوتهم والأكيد أن منهم من مات بسبب الإشعاع.
وهذه القصة المعبرة والمؤثرة تحيلنا إلى أحد أهم مرتكزات التوزيع الشرعي للميراث وأسرار تفاوت الحصص بين الورثاء فمنح الله سبحانه وتعالى الوارث الشاب المقبل على الحياة والذي سيؤسس أسرة جديدة نصيبا أكبر من الوارث الشيخ الذي طعن في السن وتفرعت أسرته إلى أسر جديدة مستقلة وبالتالي قلت تكاليف معيشته.
والغريب أن اليابانيين الملاحدة انتبهوا إلى هذه المسألة التي تدركها الفطرة البشرية السليمة وطبقوها عن اقتناع تام رغم أنها أودت بحياة عدد منهم بينما يرى بعض المسلمين أن التوزيع الشرعي للميراث غير عادل ويحتاج إلى إعادة نظر ويطالب بقسمة متساوية بين الجميع الشيخ منهم والشابة والفتى الرضيع والجدة والحفيد.
وخلاصة القول تأكدوا أن جميع القوانين الإلاهية لا تتعارض مع الفطرة السليمة للإنسان والمنطق السوي للفهم والإدراك وأي رفض لها أو محاولة لتغييرها ينم في الواقع عن خلل في الفطرة أو قصور في الفهم أو عناد ومكابرة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock