مقالات

فلسطين والإسلام السياسي والدول العربيّة

وجهة نظر خلافيّة في القضيّة

نور الدين الغيلوفي

((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ))
– قرآن كريم –

#تنويه: أنا، هنا، أعرض فكرة خطرت لي للنقاش، ولا أعبّر عن رأيي.. حين أقول هذا لستُ بصدد نفي حقيقة.. الانتماء إلى الإخوان أراه شرفًا، ولكنّني لا أدّعيه. وقديما علّمني أستاذ ألّا أتبنّى فكرةً لا أملك قدرة الدفاع عنها.

1. لا يزال لبعض أنصار فلسطين من مثقَّفي المجال العربي توجّسٌ من الإسلام السياسيّ.. بل عداءٌ وجوديٌّ كذاك الذي نراه من توابع الرئيس المصريّ الراحل جمال عبد الناصر الذين يتعبّدون صورته يحفظون عداواته الأولى والآخرة لا يتجاوزونها كما لو أنّها مكتوبة عليهم في زَبُورِهم، ومثل ذاك الذي نجده لدى الشيوعيين الذين لا يزالون يحتكمون إلى عقيدة “الدين أفيون الشعوب”، من هؤلاء الذين يرون في كلّ متديّن رجسا يحرّمون عليه السياسة ويضربون حاجزا بينه وبين الشأن العام.. فالدين، لدى هؤلاء، إذا اعترفوا له بوجود، لا ينبغي أن يخرج عن شعائر تعبّدية هي شأن خاص بين الفرد وربّه الذي يؤمن به، فإن هو تجاوز تلك الشعائر كان جريمة لا غفران لها.
لا يزال الدين، عند شيوعيي تونس، إلّا قليلا، ظلام يعاديه كل تنويريّ. والشيوعيّون، في نسختهم التونسية، هم ورثة التنوير الباقي في أرضٍ قطعت صلتها بالسماء.

2. لمّا أقام الغرب الإمبريالي دولته الوظيفيّة المسمّاة إسرائيل في أرض فلسطين أقام حولها دولا وظيفيّة أخرى عربيّة وزّع بينها أدوارا جِماعُها مهمّتان:
• إضعاف مناعة المجتمع العربيّ بقهر الإنسان فيه،
• وتقوية دولة الاحتلال..
ليشهد المجال العربيّ حالة من الشدّ تجعل من التحرير مجرّد ممكن ذهنيّ تعيش عليه الشعوب حلمًا أقرب إلى الوهم. ولم يكن اعتباطا أن يخسر عبد الناصر، الأعلى صوتا بين حكّام العرب، الحروب ويضيّع الأراضي، وهو الذي صنع شرعيته على حساب فلسطين التي خاض لأجلها هزائمه، ولم ينتصر في حرب له على غير الإخوان المسلمين قَصَرَ مشروعَه السياسيَّ على التنكيل بهم باستعمال الدولة بجميع مرافقها.
ولقد تقوّت دولة الاحتلال في لحظتين:
• لحظة النكبة ضاع معها بعض الأرض، ضيّعتها الأنظمة العربيّة مجتمعة،
• ولحظة الهزيمة ضاع معها البعض الآخر.. ضيّعها عبد الناصر وحده.

الشيخ أحمد يس
الشيخ أحمد يس

3. مع نشأة دولة الاحتلال تشكّلت حركات تحرير مختلفة ارتبطت بالأنظمة العربية التي جعلت من قمع الإسلاميين أولوية لها.
ولم يعد الإخوان المسلمون إلى المعركة بعد حرب 1948 إلّا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي أنشأها الشيخ أحمد يس الذي انتمى إلى الإخوان المسلمين لمّا كان يدرس في مصر، غير أنّ جمال عبد الناصر أطرده في معركته الأخيرة مع الإخوان سنة 1965.
فشلت حركات التحرير الفلسطيني، التي كانت مرتبطة بأنظمة الحكم العربي. فشلت في معاركها لأنّ الأنظمة العربية التي تديرها لم تكن معنيّةً من فلسطين إلّا باعتبارها ورقةً تبرّر بها تسلّطها بدعوى “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.. وقد انتهى بها الأمر إلى اتفاقية أوسلو التي نجح الاحتلال بمقتضاها في تحويل حركة فتح ومن ورائها منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى جماعة وظيفيّة مهمّتها تسليم الجرايات إلى أجهزة أمنية أشرف جيش الاحتلال، بنفسه، على تسليحها بقطع سلاح مقيَّدة في سجلّاته لحماية دولته.

4. في تلك السياقات ظهرت حركة حماس سنة 1987 ليكون للإسلاميين، عن طريقها، إسهامُهم في تحرير فلسطين.
كان على حماس أن تفلت من رقابة الأنظمة ومن منظّمة التحرير التي صارت ذراعا للمحتل، وقد كان إفلاتها شرطا لإعدادها الذي شهد تتويجه في طوفان الأقصى.
حركة حماس فصيل وطنيّ فلسطينيّ مرتبط، في مرجعيّته العقدية والفكرية، بجماعة الإخوان المسلمين، بل هي الصفوة منها. ولا يضيرها، كما لا يضير الإخوان المسلمين، أن ينشأ على حواف الدين الذي يرجعون إليه جماعات أخرى. والأرجح أنّ الجماعات الأخرى إنّما أُنشئت لأجل تشويه صورة الإخوان المسلمين في مختلِف البلاد التي لها وجود بها. وقد حاول العدوّ، عند بداية الطوفان أن يعقد صلة بين حماس وبين داعش في حربه عليها. الدول العربية ذاتها تردّد خطاب دولة الاحتلال في شأن الإخوان المسلمين. ودولة الاحتلال تردّد قول عبد الناصر وحافظ الأسد فيهم.

5. الإسلام عند الدول العربية والدولة العبرية الوظيفيّة كلّها إرهابيّ صرّحوا بذلك أم لم يفعلوا. كلّ إسلام يسعى إلى تغيير واقع احتلاليّ أو استبداديّ هو إسلام سياسيّ وكلّ إسلام سياسيّ إرهابيّ.
وحماس ذاتها، التي تقود المقاومة في معركة طوفان الأقصى، هي في عرف الدول العربيّة حركة إرهابيّة.. يشترك في هذا التوصيف محمود عباس ومحيطُه في رام الله مع رئيس النظام المصريّ الذي قتل الرئيس الدكتور محمّد مرسي بتهمة تخابره مع حماس، مع حكّام دول الخليج الذين يعتقلون منتسبي حماس داخل سجونهم. وجميع هؤلاء يلتقون مع دولة العدوّ في موقفهم من حماس. وما تعاملُهم، في بعض الأحيان، معها إلّا مثل تعامل أمريكا مع حركة طالبان بعد حربها الطويلة على أفغانستان وعليها.
رغم كلّ التنكيل بها تعود حركة الإخوان المسلمين، في نسخة حماس لتعيد الأمّة إلى بوصلتها وتسفّه أطروحات دولة عربية وظيفية تغذّت على محاربة الإسلام السياسيّ الذي ترى فيه وجها مستأنَفا لخلافة عثمانية يصرّ منتسبو الدول الوظيفية الاستعمارية على اعتبارها احتلالا آن للعرب أن يتحرّروا منه ويتخلّصوا من استتباعاته الفكرية ومن خلفياته العقديّة انسجاما مع تنوير أوروبيّ ترجم أفكاره في حروبه الثأرية على الخلافة العثمانية.

6. أطرد الإخوان المسلمون من نافذة دولة عربية قطرية جاءت وليدة استعمار غرسها يسيّج بها دولته الوظيفيّة، فعادت من بوابة فلسطين التي احتلّتها العصابات الصهيونية لتقيم دولتها على جماجم أبنائها المغدورين المتروكين.
تُترك حماس اليوم وحدها وقد أوكلت الدول العربية العدوَّ بها ليقضيَ عليها وقد نشأت رغم أنوفهم خارجَ إرادتهم. ولكنّ حماس تنبت في الصخر، تخرج إلى العدوّ من تحت الأنفاق لتثخن فيه ولتُظهر للدول العربية حوله أن الاحتماء بالعدوّ لم يعد ممكنا لها ولا نفع منه.
خرجت حماس لتكشف تهافت دول عربية نفخت في صورة عدوّ جعلت منه وحشا لا يُغلَب تطعمه لتحتميَ به ضدّ شعوب تعيش فلسطينَ وجعًا تستثمر في استمراره دولٌ أنشأها الاستعمار على عينه لوأد أمّة تملك كلّ أسباب النهوض، ولا تنهض، لتحرّر أرضها من محتلّها بعد تحرير إنسانها من الذين يستبدّون به.

7. كان يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تستأنف الأمّة التي مزّقها الاستعمار، إلّا أنّ الدول الوطنيّة اجتمعت على الفتك بها لوأد الاستئناف.
فهل يسأل طوفان الأقصى الموؤودة،
بأيّ ذنب قُتلت؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock