تدوينات تونسية

من أحاديث قطار المساء

محمد بن نصر 

سيّدة فرنسية أمام مصعد كهربائي معطّل. ابنها في الدافعة يلهو بلعبته. قرأت السيّدة ورقة مثبّتة على باب المصعد تقول: أن إصلاح المصعد سيأخذ بعض الوقت وأن الشركة المسؤولة تعتذر عن العطب المفاجئ.

بدا الغضب على وجه الأم وقالت ممتعضة… هؤلاء ليس لهم ضمير، المصعد معطّل منذ البارحة ألا يفكرون في الأمهات الحوامل، ألا يفكرون في كبار السن وأصحاب الحاجات الخاصة؟ ماذا سأفعل وكيف سأحمل إبني مع الدافعة إلى الطابق الأول؟ كانت جد منزعجة… سرعان ما تقدم أحد الشباب لمساعدتها على الصعود.

الأمهات الفلسطينيات
الأمهات الفلسطينيات

كنت أتابع المشهد واستحضرت الأمهات الفلسطينيات اللاتي تفطرت أكبادهن على أبنائهن الذين حوّلهم الإجرام الصهيوني إلى أشلاء أو جرحى يتألمون ينتظرون سيارات إسعاف الممنوعة من التقدم إليهم لإنقاذهم.

بين المشهد الأول والمشهد الثاني هناك علاقة قوية… المشهد الأول وبغض النظر عن الاحتجاج المشروع للسيدة الفرنسية ولكن يعكس حالة من الرفاه العام الذي جعل المواطن في دول العالم الحر غير قادر على تحمّل منغّصات الحياة… لمجرّد أن يتعطل القطار أو ينقطع التيار الكهربائي أو أي طارئ من الطوارئ يصيبه الهلع ولكن الوجه الذي يهمنا هنا هو أن هذا الرفاه العام له ضريبة مؤلمة… ما كان لهذا الرفاه أن يحصل لولا سياسة النهب الممنهج التي مارستها هذه الحضارة منذ نشأتها. هذا الرفاه التعليمي والصحي والاجتماعي له تكلفة عالية ولا يمكن تأمين هذه التكلفة الباهظة إلا باستغلال خيرات الشعوب الأخرى تطبيقا للمعادلة البائسة “التمدن مع النفس والتوحش مع الآخر” أو “شرط سعادتنا المادية شقاء الآخرين”.

يدعمون الأنظمة الديكتاتورية ثم يستقبلون بعضا من ضحاياها. فيمنّون عليهم ببعض الفتات فيتحولون إلى مبشّرين بقشور الديمقراطية الغربية. وتستمر دورة الهوان ما استمر الإستحمار والغباء.

الآن وقد كشف طوفان الأقصى عن عاهات الغرب القاتلة فهل يا ترى سيزول هذا المنسوب من الإستحمار؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock