مقالات

حين يريد نتنياهو من محمود عباس أن يعلم أطفال فلسطين حب إسرائيل !

عبد السلام الككلي

جاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إجمالي العدد السنوي للأطفال ضحايا الصراعات المختلفة عبر العالم منذ عام 2019، وفقا لمنظمة «أنقذوا الأطفال».

«وينقضون على أكتاف الفلسطينيين غربا ويغزون أَبناء المشرق معا، ويستولون على بلاد أَدوم وموآب، ويخضع لهم بنو عمون». إشعياء 11/ 14

جاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إجمالي العدد السنوي للأطفال ضحايا الصراعات المختلفة عبر العالم منذ عام 2019، وفقا لمنظمة «أنقذوا الأطفال». وأوضحت المنظمة الدولية غير الحكومية، في بيان، أنه منذ السابع من أكتوبر، تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 3257 طفلا؛ بينهم 3195 طفلا على الأقل في غزة، و33 في الضفة الغربية، و29 في إسرائيل، بحسب أرقام وزارتي الصحة في غزة وإسرائيل.

وأعلنت السلطات الصحية بغزة، عن مقتل أكثر من 3 آلاف طفل بالقطاع، إضافة إلى حوالي ألف طفل آخر في عداد المفقودين، منذ يوم هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة. وقالت المنظمة الحقوقية إن عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال ثلاثة أسابيع فقط في غزة «أعلى من عدد القتلى السنوي في النزاعات المسلحة الأخرى على مستوى العالم، في أكثر من 20 دولة، خلال السنوات الثلاث الماضية». وقال المدير الإقليمي منظمة إنقاذ الطفولة في الأراضي الفلسطينية، جيسون لي، إن «الأرقام مروعة ومع استمرار العنف وتوسعه في غزة الآن، لا يزال المزيد من الأطفال معرضين لخطر جسيم».[1]

غير أن ما يتعرض له الأطفال في غزة من تقتيل منذ 7 أكتوبر الماضي هو في الواقع جزء من سياسة ممنهجة تمارسها إسرائيل ضد الطفل الفلسطيني منذ عشرات السنين كما توضحه الصورة البشعة التي ننقل هنا جزءا منها.

الأطفال في غزة
الأطفال في غزة

أطفال فلسطين في قبضة الإجرام الإسرائيلي

بلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2022 نحو مليون فلسطيني. وسجلت أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال في صفوف الأطفال الفلسطينيين ما دون سن الـ 18.

واعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2022 نحو 882 طفلًا فلسطينيًا، منهم 654 طفلًا من القدس ويشكل هؤلاء الغالبية العظمى أي ما نسبته 74,1% من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال في العام 2022،

وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى نهاية عام 2022 نحو 150 طفلًا وطفلة في معتقلات «مجدو»، و «عوفر»، و «الدامون»؛ إضافة إلى وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلًا عن عدة أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عامًا؛ وذلك حسب تقارير دولية. [2]

ويعاني الأطفال الفلسطينيون الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى. فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي والحرمان من زيارة الأهالي وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين والاحتجاز مع البالغين والاحتجاز مع أطفال جنائيين إسرائيليين والإساءة اللفظية والضرب والعزل والتحرش الجنسي والعقوبات الجماعية، وتفشي الأمراض. [3]

ورغم كل هذه الفظائع المرتكبة في حق الناشئة في فلسطين يعتقد نتنياهو أن هذه الممارسات ليست هي مسؤولة عن شعور الكراهية التي يحملها الطفل الفلسطيني لدولة إسرائيل بل إن المسؤول عن ذلك هي السلطة المدنية الفلسطينية التي تنشر في صفوف الأطفال الفلسطينيين عبر مناهجها التعليمية كره دولة إسرائيل.

«لن تكون هناك سلطة مدنية تعلم أولادها كره إسرائيل»

استبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تضطلع السلطة الفلسطينية الحالية بدور في غزة بعد انتهاء الحرب في القطاع وقال نتنياهو في ندوة صحفية جمعته لأول مرة بعد تكوين حكومة الحرب عقب 7 أكتوبر بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس يوم السبت 10 نوفمبر 2023 وقال ردًا على سؤال عن إمكان تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع بعد الحرب: «ينبغي أن يكون هناك شيء آخر» وأضاف «لن تكون هناك سلطة مدنية تعلم أولادها كره إسرائيل، وقتل الإسرائيليين، والقضاء على دولة إسرائيل».

و الواقع أن هذه التهمة ليست مستحدثة. لقد اتّهمت إسرائيل السلطة الفلسطينية التيّ يرأسها محمود عبّاس منذ سنوات بأنّها تعادي السامية وتنشر الكراهية في مناهيجها التعليمية وضغطت مباشرة وبواسطة اذرعها على الاتحاد الأوروبي من اجل قطع «مساعداته المالية» التي يقدّمها الى السلطة الفلسطينية ونجحت في مساعيها فقد طالب الاتحاد من السلطة الفلسطينية مراجعة مناهجها التعليمية وهدّدها بقطع «مساعداته المالية اذا لم تمتثل لمطالبه وفعلا قطعها عنها. فقد أوردت فضائية فلسطين يوم 18 أفريل 2018 نقلا عن صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن البرلمان الأوروبي في بروكسل وافق بالإجماع، على قانون يمنع الاتحاد الأوروبي من تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية من أجل «تعليم الكراهية» يوم 18 أفريل 2018.

وقد بيّنت الكاتبة مجد حمد في مقال لها [4] أنّ «هذه المحاولات للضغط وتغيير المناهج الفلسطينية حسب التوجه الإسرائيلي ليست الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة؛ إذ سبقها ضغط مستمر منذ عقود متتالية، وهو يعزز الضغط من وزارة الخارجية الإسرائيلية ضد مناهج التعليم المدرسية والمساقات والنشاطات الجامعية المختلفة».

وبيّنت الكاتبة أنّ الهدف من هذا الضغط هو حرمان التعليم الفلسطيني من الدعم المالي الذي تقدمه الدول الأوروبية والمؤسسات العالمية، وإلى إعاقة عملية بناء الدولة الفلسطينية ومؤسساتها التعليمية إضافة إلى نزع شرعية النضال الفلسطيني، ومنع الفلسطيني من رواية تاريخه».

وبحسب الكاتبة «سيؤدي تغيير المناهج وعدم تغير الواقع الذي تستمر فيه إسرائيل بالاستيطان والاستعمار إلى انفصام في أوساط الجيل الناشئ حيث هناك أراضٍ ودولة تحت احتلال ومناهج لا يذكر فيها الاحتلال أو العنف الذي يمارسه الإسرائيليون منذ عقود» وهذا ملخّص ما يريده الكيان الصهيوني ويسعى إليه بكل السبل.

ماذا تريد إسرائيل ؟

لا ندري ماذا تريد إسرائيل وماذا يريد نتنياهو من محمود عباس هل يريده أن يعلم أطفال فلسطين حب إسرائيل أو حتى التسامح معها في حين أنها تغتال الطفولة تحت أنظار العالم الذي لا يعير اهتماما إلا إلى إسرائيل وأمن إسرائيل. التي ظل مواطنوها بمنأى عن ويلات التهجير والقتل وسياسات التمييز العنصري والحرب التي يعاني منها الفلسطيني.

أن الصدمة التي أصيبت بها إسرائيل أخيرا ليس سببها عدد القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين يوم 07 أكتوبر فحسب. إن السبب الآخر الذي لا يقال عادة هو أن الإسرائيلي سواء في حرب الدولة المحتلة مع الدول العربية من الحرب الأولى سنة 1948 الى آخر حرب في 1973 أو في المواجهات اليومية في الضفة أو في القطاع منذ احتلالهما عقب حرب الأيام الستة ظل بمنأى عن ويلات الحرب. لقد كانت الحرب تجري دائما في الأرض العربية وبعيدا عن إسرائيل وكان الضحايا من المدنيين العرب في فلسطين وسوريا ولبنان حتى ظن سكان إسرائيل انه يمكن أن يعيشوا في اطمئنان وسط جحيم من الفقر والقهر والاستعباد التي يعيشها الفلسطيني في الضفة وخاصة في غزة التي يتعرض أهلها إلى حصار ظالم من 2008 ولم تنفع كل المحاولات لرفعه.

لا يعرف نتنياهو أو لعله يعرف ويتجاهل ذلك حجم الكره الذي تنشره إسرائيل في المنطقة كلها ولا يعرف قطعا الآثار المدمرة التي تحدثها في نفسية الطفل الفلسطيني والطفل العربي عموما الآلة المدججة بالنار وهي تنتج كل تلك المشاهد التي نراها كل يوم منذ حوالي أربعين يوما. يقال لنا أحيانا إن تلفزاتنا مولعة إلى حد المرض ببشاعة الجثث، تعرضها علينا في صور تدور على نفسها منذ 7 أكتوبر وتكرر بشاعتها. لا شك أن الصور من بعض الجوانب تحول المشهد البغيض إلى مشهد مألوف فنتعود دون أن نشعر على الدماء النازفة والصراخ المتعالي والأشلاء المتقطعة.
غير أن ما لا يعلمه البعض أو لعلهم يعلمونه ويتغاضون عنه هو ما يمكن أن تنتجه هذه الصور ما بعديا في عقول هذه الطفولة البائسة في فلسطين بل في عقول كل الأطفال العرب الذين يريد نتنياهو أن نعلمهم التسامح مع إسرائيل.

لا اعتراض لنا على التسامح كقيمة إنسانية. وأكثر العرب ومنهم السلطة المدنية الفلسطينية نفسها لا اعتراض لها على إمكانية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين في نطاق حل الدولتين فهم ينادون بهذا الحل منذ مؤتمر بيروت 2002 والقبول بتطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية شريطة الانسحاب إلى حدود الرابع من جوان 1967 ولكن إسرائيل عوض ذلك تستمر في بناء المستوطنات في الضفة الغربية حتى وصل عدد المستوطنين فيها الى 700 الف كما تستمر في مصادرة الأراضي وتهويد القدس في نسق دائم من خلال فرض الأمر الواقع لمقولة التعايش ضمن حل الدولتين.

إن أية دعوة الى نبذ الكراهية ونشر قيم السلام لا يتلاءم البتة مع هذه الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة التي تقتل الفلسطيني وتطلب من الشهود على الجريمة أن يكفوا عن المقاومة ويحبوا المجرم لأنه الوحيد الجدير بالمحبة والتسامح والإنسانية أما غيره فتصدق فيهم نبوءة إشعياء التي يكثر نتنياهو من الإشارة إليها في خطبه بعد 7 أكتوبر.

وهي التي تبشر بني إسرائيل بأنهم «ينقضون على أكتاف الفلسطينيين غربا ويغزون أَبناء المشرق معا، ويستولون على بلاد أَدوم وموآب ويخضع لهم بنو عمون» [5] بل لعل الفلسطينيين وفق احد الوزراء المتطرفين الصهاينة ليسوا غير وحوش بشرية لا يستهلون غير القنبلة النووية.

هوامش

[1] «وصمة عار».. أرقام قياسية للقتلى الأطفال خلال حرب إسرائيل وغزة. الحرة / وكالات – دبي 30 أكتوبر 2023

[2] «الأسرى الأطفال» وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3790

[3] المرجع السابق

[4] المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والدراسات الاستراتيجية «تدخّل الاتحاد الأوروبي في المناهج التعليمية الفلسطينية» – مسارات 10 أذار 2022

[5] إشعياء11/ 14

اسطرلاب

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock