تدوينات تونسية

غزّة نموذج “المدينة المقاتلة” و”المقاومة العضوية” التي لا تُكسَر

زهير إسماعيل

العدو، باقتحامه مجمع الشفاء الطبي، لا يبحث عن أسرى يعرف أنّه لن يجدهم. هو يبحث عن صورة تخفف من هزيمته المحققة. وكلّ همه، بعد أن فشل في الوصول إلى المقاومة (كبدته خسائر جسيمة) وضرب ولو جزء من قدراتها العسكرية أن يواصل استهداف كل أسباب صمود أهل غزة، ويدفعهم إلى الخروج من مدينتهم (التهجير).

ومن بين أسباب الصمود المستشفيات التي مثلت ملاذا للناس رغم استهدافها بالقصف منذ بداية حربه (المستشفى المعمداني). ومثلت نقاطا إعلامية تفضح إجرامه وإجرام حلفائه اليومي من خلال صور/شهادات مروعة توثق مجزرة القرن وتكشف عن تواطؤ المجتمع الدولي وفضيحة النظام العالمي بمواثيقه وعهوده وقوانينه وقلاعه المؤسسية الفارغة لخلوها من كل قيمة.

ورغم ضريبة الدم العالية، وجرح أهل غزة الغائر النازف، فإن الكيان يغرق في دماء غزة. وهو لم يخرج عن ردة الفعل الهمجية والإجرام المتوحش، ولا غرابة في أنه دخل إلى غزة بخطة مرتجلة وضعها قادته النازيون تحت صدمة 7 أكتوبر. وستكون ضربات المقاومة المتوقعة صاعقة، بناء على ما أبدته من تماسك وقدرة عالية على تصريف الجهد وإدارة المعركة والتحكم في أطوارها واتجاهاتها.

غزّة المدينة المقاتلة
غزّة المدينة المقاتلة

غزّة نموذج “المدينة المقاتلة”

المقاومة تعرف جيدا عدوها التاريخي. والعدو، ومعه العالم، لا يعرف غزة القريبة منه جدا، ولم يستوعب نموذج “المدينة المقاتلة” و”المقاومة العضوية” التي لا يمكن فصلها عن ناسها وأهلها. لذلك هي غير قابلة للكسر، رغم فارق القوة المادية، من خلال ما تقدمه من آيات التضحية والفداء الطوعي غير المحدودة، والإبداع الميداني، والإصرار المذهل على الحق التاريخي.

تقدم غزّة هوية انتظام أفقية مشبعة مشبعة اختياريا بالقيمة لا تنفصل فيها البندقية عن المدرسة والمستشفى والضيعة الفلاحية ومركز الدراسات والمخبزة ونقطة الماء وروضة الأطفال.

لذلك يستهدفها العدو جميعا. فتكون المواجهة في حقيقتها بين المدينة و”آلة قتل” هي كل ما بقي من كيان نشأ “عصابة إجرام” وانتهى “آلة ذبح” تكذّب كل ادعاءات من زرعوه غصبا على أرض فلسطين على أنّه “الديمقراطية الوحيدة” في ظلام المجال العربي.

غزّة هي انتظام ما قبل الدولة قياسا إلى ثقافة الدولة المتحجرة، وهي انتظام “أرقى من الدولة” قياسا إلى الأزمة العميقة للدولة نفسها، وهي انتظام “ما بعد الدولة” غير المتخيل قياسا إلى من “أنهَوا التاريخ” عند دولتهم الحديثة.

في غزة انتظام مبهر لا حدود فيه لحرية الحركة والفعل التي تصل إلى حرية حمل السلاح. في حين تمنع فيه المعارضة في الدولة الاستبدادية من الرأي المخالف، وتمنع فيه المعارضة في الدولة الأوروبية المستسلمة للسردية الصهيونية من رفع علم فلسطين في شوارعها.

المقاومة العضوية

خندق الحرية والمقاومة في غزة يتسع لكل جهد. وفي المدينة الصغيرة والأعلى نسبة كثافة سكانية فصائل متعددة تحمل السلاح ولم يكن يوم صدام بينها، تختلف في التقدير ولا تختلف حول الحق التاريخي والعدو. وفي غزة إدارة جماعية فذة، استطاعت أن توفر ذاتيا حاجيات الناس رغم الحصار المضروب عليها منذ 17 عشرة سنة.

تلك هي “المدينة المقاتلة” و”المقاومة العضوية” على طريق التحرير والعودة، والتي لم تتورط قط في “دم الإنسان الحرام” (سوريا وغيرها) وهي تمضي قدما في نقل نموذجها المقاوم إلى الضفة والـ48 (وحدة الساحات).

وهي تجربة جديرة بالتأمل. غير أنّه تأمّل مطلوب اللحظة باعتباره جزءا من حقيقة المعركة.
وسيكون متاحا أكثر بعد انتهائها من مهمة كسر العدو الجارية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock