تدوينات تونسية

انقلابات القارة السمراء. هل تكون خاتمة الأحزان ؟

صالح التيزاوي 

بينما العالم وخاصّة دول القارّة الإفريقيّة غارقون في التّعامل مع أحدث انقلاب في القارّة (انقلاب النيجر: 26 جويلية 2023)، وقبل أن تنتهي إلى رأي قاطع فيه، أفاق الجميع يوم الثلاثين من أغسطس على انقلاب جديد في الغابون، أطاح بحكم “عائلة بنغو” (ليكون الأحدث، بانتظار التّالي على طريقة قنوات بثّ الأفلام). جاء ذلك عشيّة إعلان نتائج الإنتخابات الرّئاسيّة التي فاز بها على بنغو وريث أبيه عمر بنغو، لولاية ثالثة. الرّئيس المنقلب عليه، يدعو من محبسه من سمّاهم الأصدقاء إلي “الضّجيج ورفع الصّوت”، تنديدا بالإنقلاب من أجل نجدته.

إزاء عدوى الإنقلابات في القارّة. هل يسير انقلاب الغابون على خطى سابقيه (مالي، بوركينا فاسو، النّيجر) من حيث الرّغبة في التّحرّر من الوجود الإستعماري وتبديل تحالفاته ؟ أم هو مختلف عنها وله مبرّراته وتطلّعاته الخاصّة؟

قبل الغابون: لماذا النّيجر؟

كان لافتا طريقة التّعامل مع انقلاب النّيجر، دوليّا وإقليميّا على غير المعتاد وكأنّه الإنقلاب الأوّل، لم تتأخّر بيانات الرّفض والإدانة القويّة لما حدث ولهجة التّهديد والوعيد بعقوبات قاسية قد تصل إلى التّدخّل العسكري. لماذا هذا التّعامل الحاد مع انقلاب النّيجر؟

فرنسا أوّل المحتجّين وأكثر المتضرّرين من “الزّلزال الإنقلابي”، تخشي على مصالحها الآخذة في التّقلّص في مستعمراتها القديمة من انقلاب إلى آخر، بعد أن خسرت مالي و بوركينا فاسو، وبعد أن تبيّن ان انقلاب النّيجر يسير على خطى سابقيه. أمّا أمريكا وأوروبا، فتبديان تخوّفا من تعاظم الوجود الرّوسي في القارّة. سياسيا (بروز أنظمة موالية لروسيا) وعسكريّا (دخول شركة فاغنر) واقتصاديا (القمح الروسي المغري بمزيد من الإنقلابات). أمّا دول الإتّحاد الإفريقيّ، فإنّها تخشي عدم الإستقرار من تتالي ظاهرة الإنقلابات وتخشي اكثر من التّدخّل العسكري الذي قد يزيد القارّة ثقلا على أثقالها، لذلك، فهي لا تتّفق على صيغة للتّعامل مع الإنقلابيين، وهي بين العقوبات وفتح قنوات الحوار وكثافة المبادرات والتّلويح بالتّدخّل العسكري تقف متردّدة.. ولا تكاد تفرغ من ترتيب التّعامل مع انقلاب حتّى يدهمها آخر.

قارّة غنيّة وشعوب فقيرة

ليس عبثا أن تكون القارّة بركانا نشطا لانقلابات عسكرية متتالية، وليس عبثا أن تتفجّر في مناطق النّفوذ الفرنسي منذ الحقبة الإستعماريّة، فهي لم تعرف الدّيمقراطيّة (غير الشّكليّ منها) ولم تعرف الإزدهار تحت أنظمة شموليّة، أغلبها جاء بالإنقلاب أو انتخابات مزوّرة. ورغم توفّرها على ثروات هائلة، فهي القارّة الأغنى والأفقر في العالم، خيراتها، لا تنعكس إيجابيّا على واقع شعوبها. ومع ذلك فإن حل مشاكل القارّة لن تكون في الإنقلاب، ولن تكون الإنقلابات نهاية الأحزان.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock