صرخة… قبل أن يعمّ الخراب
فتحي الشوك
صفعة رابعة كانت ستكفي لأن يصحو السّكران من سكرته ليستفيق ويصطدم بالواقع الّذي حاول عبثا أن يفرّ منه لتواجهه فواتير الماء و الكهرباء وأجرة كراء المنزل ومصاريف أثقلت كاهله وزوجة تلعن حظّها العاثر وعويل صغار ينتظرون حليبا مفقودا.
صفعة رابعة تعيد إلى المصاب بنوبة هستيرية وعيه.
لكن ألف صفعة وصفعة لن يكون لها أيّ أثر لمن فقد الإحساس بالكامل.
صرخة رفض واحدة بإمكانها أن تجعل من به ذرّة خجل يرحل بلا رجعة.
لكن ألف صرخة وصرخة ستكون بلا جدوى لدى من لا يسمع إلّا طنين رأسه وهلوساته.
رجّة واحدة كانت تكفي لأن يتحسّس الإنسان السّوي موطئ قدميه ويراجع مواقفه لكنّ زلزالا بقوّة عشر درجات من ميزان ريشتر لن تحرّك لفاقد الشّعور شعرة، ليس ثباتا بل لفقدانه للإحساس وعجزه على تقدير المخاطر وهو ما نشاهده لدى المصابين بالانفصام الهذياني و الميڨالومانية.
واهم من يعتقد أنّ تحطيمنا للمرّة الثّانية على التّوالي لأضعف نسبة مشاركة في انتخابات عامّة في العالم ستجعل من نظّمها يقف وقفة تأمّل، يراجع مواقفه أو يتراجع وهو كمن ينتظر عسلا من مؤخّرة الضبّ!
كيف يتراجع من يحمل الفكر الرّسولي ويعتقد أنّه يملك الحقيقة المطلقة ولا ينطق عن الهوى وصاحب رسالة لإنقاذ البشرية جمعاء!
حتّى وإن اعترض أو عارض الجميع فالمشكلة تكمن فيهم، هؤلاء الرّعاع والزنادقة والمنافقين والكفرة والجهلة، وعليهم أن يراجعوا إيمانهم ويعالجوا ما أصاب مداركهم العقلية من خلل ويرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى علوّه الشاهق الّذي لم يبلغه من قبله إنسي أو جان.
كيف للجمهور أن يهجر مسرحيته السّخيفة السّمجة وقد أنفق عليها ما أنفق؟
70 مليارا، و 120 مليون رسالة قصيرة ويوم عطلة وتسخير السيارات الإدارية لنقل المقترعين وبعضهم أوتي به من دور العجّز، ووسائل إعلام عمومية وخاصة جنّدت نفسها للخدمة طيلة أيّام وفي النّهاية تكون النّتيجة بعد التزويق والتجميل والتضخيم رقما قياسيا جديدا في أضعف نسبة مشاركة في انتخابات جرت على ظهر البسيطة.
مال عام يهدر لأجل نزوة طائشة لمهوّس بالسّلطة قادم من زمن آخر وعالم آخر.
بلد خزينته فارغة تحتاج لـ 4 مليارات دولار لملئها، يسجلّ نسبة تضخم هي الأعلى منذ عقود (10,1%)، خمس سكّانه تحت خطّ الفقر وغالبيته صار ينتظم في طوابير البحث عن سلع أساسية مفقودة، ونسبة البطالة فيه تجاوزت 37,8%، بلد طارد لكوادره ولافظ لشبابه وصارت فيه الرّغبة في الموت أقوى من تلك في الحياة!
في بلد مخرّب مثل هذا تجد من لا يرى حرجا في الإمعان في تخريبه والإجهاز عليه بالكامل استجابة لهلوسات مرضية.
أكيد أنّ النّسب والأرقام والرّياضيات والمنطق وعلوم الاقتصاد والاجتماع هي هرطقة خارج السّياق وسيدرك ذلك من مازال يصرّ على استعمال عقله ليسلّم في النّهاية أن لا عقل سوى عقله!
لن تنفع الصّفعة ولا الصّرخة ولا الرجّة ولا حتّى الزلزال في إيقاف العبث الّذي فاق الحدّ وثني الرّجل عن مواصلة مشروعه التدميري، الوضعية استثنائية وحرجة للغاية وتتطلّب حلولا استثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يعمّ الخراب.
د.محمّد فتحي الشوك.