تدوينات تونسية

طارق بن زياد قائد أمازيغيّ عرّبه الإسلام

صالح التيزاوي 

لا شكّ في أنّه لم يكن عربيّا، بل كان أمازيغيّا (نسبة إلى الأمازيغ، سكّان إفريقيا الشّماليّة). ولا شكّ أنّه من قادة الفتح العربي الإسلامي في العصر الأموي، ولا شكّ في أنّه كان مولي للقائد العربي موسى بن نصير، زمن الخليفة الأموي، الوليد بن عبد الملك. فمن أين يأتي التٍشكيك في وجوده أصلا أو في بعض الجوانب من حياته وبعض ما نسب إليه؟ وما أسباب هذا التّشكيك؟

اتّخذ المشكّكون من خطبة طارق بن زياد مدخلا للتّشكيك، وهي الخطبة التي ألقاها في جنوده بعدما نزل بهم ارض إسبانيا وقيل إنّه أحرق خلفه المراكب التي عبر فيها إلى اليابسة من أجل أن يقطع خطّ الرّجعة وقال قولته الشّهيرة “البحر من ورائكم والعدوّ أمامكم”. وبزعم المشكّكين، كيف لبربريّ حديث عهد بالإسلام وباللّغة العربيّة أن يبلغ ذلك الإتقان للعربيّة على حداثة عهده بها؟

وليس لهذا التّشكيك من هدف سوي التّقليل من شان الإسلام والعروبة، وبثٍ التّفرقة بين العرب الذين وحّدت بينهم لغة القرآن.

وسواء صحّت نسبة الخطبة إليه أم لم تصحّ، وسواء قالها طارق بن زياد أو قالها غيره من العرب وفي نفس المناسبة، ثمّ نسبت أليه، فهي حقيقة مثبتة في كتب الأدب العربي القديم ومنها “نفح الطّيب في غصن الأندلس الرّطيب”. وما الذي يمنع حديث عهد باللّغة العربية أن ينافس أهلها ويتفوّق عليهم في إتقانها؟ إلّا إذا كان المشكّكون ينكرون وجود الموهبة في حياة البشر وينكرون دورها في الإبداع، ولا شكّ أنّ الفاتح الأمازيغي الذي عرّبه الإسلام كان ذا مواهب فطريّة زاد الإسلام من صقلها وتفجيرها، فجمع بين المهارة العسكريّة ومهارة التّخطيط ومهارة إتقان لغة القرآن الذي آمن به.

وإذا كان فتح ارض إسبانيا حقيقة، لا ينكرها المشكّكون، وإذا كان المضيق بين إفريقيا وإسبانيا، يسمّي باسمه إلى اليوم، فأيّة وجاهة للتّشكيك، خاصّة إذا جاء من غير مختصّ في التّاريخ. ثمّ ألا يجد هذا المشكّك غير المختص نفسه في تناقض عندما يمتدح الثّقافة الأمازيغيّة وسريان مفرداتها اللّغويّة وعاداتها في المنطقة المغاربيّة إلى اليوم، ومن جهة أخرى يستكثر علي نابغة منهم أن يتقن اللّغة العربيّة في زمن وجيز؟ فهل كلّ البربر كانوا يتقنون العربيّة بنفس إتقان طارق بن زياد؟ لا شكّ أنّ طارق بن زياد كان يملك خصائص فطريّة أهّلته ليكون خطيبا وقائدا.

القول بأنّ أهل تونس من أصول أمازيغيّة مثلهم مثل معظم سكّان شمال أفريقيا، فهذه حقيقة، كما أنّ القول بأنّ الإسلام ملّك سكّان هذه المناطق اللّسان العربي، فهذه حقيقة أيضا. وليس المشكّك في طارق بن زياد والمتباكي على الثّقافة الأمازيغيّة، هو الأمازيغيّ الوحيد، المتبقّي في هذه البلاد، وليس الوحيد الذي مازال يحتفظ بعادات الأمازيغ، مثل أكل “الكسكسي بلحم البرشني في التّبسي”.. فمعظمنا من تلك الأصول ونحافظ على تلك العادات وتلك المفردات اللّغويّة ولكنّنا نعتزّ بعروبتنا وبإسلامنا أيضا، ولا نتّخذ من الأمازيغيّة وغيرها من الهويّات القديمة مدخلا للتّشويش على الهويّة العربية الإسلاميّة أو الحديث عنها كلغة احتلال. مثل هذا التّهريج، لا علاقة له بالتّعاطف مع هويّة قديمة لا ننكرها ولا ننكر أثرها في حياتنا، إنّما له علاقة بأفكار بائسة تحجب عن أصحابها رؤية الحقائق.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock