تدوينات تونسية

هيئة المحامين تريد أن تداوي الداء بالداء..!!!

عبد اللّطيف درباله

على خلفيّة الأحكام الجائرة الصادرة عن المحكمة العسكرية ضدّ المحاميين سيف الدين مخلوف ومهدي زغروبة في ما يعرف بقضية “المطار”.. وطرق تنفيذها الملتوية.. أصدرت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس بيانا كان يفترض أنّه للتنديد والرفض والدعوة لوضع حدّ للتجاوزات والانحراف بالقانون.. فإذا بالبيان يدعو (في نقطته الخامسة) رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد لاتخاذ التدابير القانونية لمراجعة مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية للاستبعاد النهائي لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري..

وبذلك تكون هيئة المحاماة المكلّفة بالدفاع عن منظوريها خصوصا.. وأيضا بالدفاع عن عموم المواطنين وعن الحقوق العامة بالبلاد.. أقرّت ضمنيّا لكن بصراحة ووضوح ما يلي:

1. أنّ دعوة هيئة المحامين لرئيس الجمهورية لتنقيح القانون من أجل الاستبعاد النهائي لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.. يعني التسليم بأنّ القانون الحالي يبيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.. وأنّ الحل هو في تغيير القانون لإلغاء تلك الإباحة..
وهو ما يتناقض مع أغلب التأويلات القانونية والفقهيّة التي ترى أنّه حتّى مع النصوص القانونية الحاليّة.. ومع اللّخبطة في بعض المفاهيم والالتباس في بعض العبارات والمعاني الواردة بفصولها.. فإنّه لا يمكن محاكمة المدنيّين أمام المحاكم العسكرية طبق التأويل المتكامل والشامل لسائر النصوص القانونية والدستور الشرعي والمعاهدات الدوليّة المصادق عليها قانونا من البلاد التونسية..

2. أنّ هيئة المحامين بدعوتها تلك لرئيس الجمهوريّة بتنقيح ومراجعة مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.. قد سلّمت ووافقت وصادقت على استيلاء قيس سعيّد على صلاحيات السلطة التشريعيّة.. وتنصيب نفسه بنفسه دون أيّ سند دستوري أو قانوني كمشرّع وحيد للقوانين بإرادته المنفردة عبر مراسيم.. وجمعه بذلك بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة.. إضافة إلى سيطرته على السلطة القضائيّة.. بما يضرب كلّ أسس الأنظمة الديمقراطية والنظام الجمهوري.. وبمباركة هيئة المحامين..!!!

3. أنّ بيان هيئة المحامين الحالية.. وما جاء به من ملاحظات ونقاط.. يفيد بأنّها تواصل نفس موقف واصطفاف هيئة المحامين السابقة بقيادة ابراهيم بودربالة.. وذلك في عدم اعتبار ما قام به قيس سعيّد انقلابا على الدستور.. وفي الاعتراف بشرعيّته ومشروعيّته رغم استيلائه على كلّ الحكم بمفرده في دولة يفترض أنّها جمهوريّة ديمقراطيّة.. وبرغم تجميعه لجميع السلطات الثلاثة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة بين يديه بمفرده وحده لا شريك له..
وإنّ مثل هذا الموقف لهيئة اعتباريّة ومؤثّرة في مجال القانون وإقامة العدل.. مثل الهيئة الوطنية للمحامين بتونس.. هو ما يقوّي في الواقع موقف قيس سعيّد ويزيد درجة تعنّته وسطوته واستهتاره بالقوانين وبجميع القواعد.. ويشجّعه على مزيد التنكيل بجميع الفئات من نواب الشعب إلى القضاة إلى المحامين.. دون أيّ احترام لضوابط قانونيّة أو لحصانة.. وبقطع النظر عن مثل بيانات الشجب والاستنكار تلك.. سواء لهيئة المحامين أو لغيرها من الهيئات والمنظمات.. والتي لا تزال تتعامل مع سلطة قيس سعيّد كسلطة شرعيّة وليس كسلطة أمر واقع.

هكذا تكون الهيئة الوطنية للمحامين بتونس كمن يداوي الداء بالداء.. وليس بالدواء.. فهي تريد أن تحارب انحراف قيس سعيّد بالسلطة بدعوته هو نفسه إلى إصلاح الانحراف بالسلطة عبر مزيد الانحراف بالسلطة..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock