مقالات

في الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الإدارية بصفاقس في مادة النزاع الانتخابي:

حين تذكر المحكمة بأن مجال تطبيق القانون هو من متعلقات النظام العام

عبد السلام الككلي

الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بصفاقس حكم تاريخي يستحق الإشادة والوقوف عنده لأنه يتضمن كثيرا من المسائل القانونية ذات أهمية قصوى.

ولهذا سوف نتوقف في هذا العرض عند أهم الحجج القانونية التي اعتمدتها المحكمة لرفض قرار هيئة الانتخابات برفض ترشح الطاعن للانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر 2022 وقد بررت الهيئة رفضها لترشح الطاعن بأنه لم يحترم ما قررته الهيئة في قرارها عدد 25 المؤرخ في 26 سبتمبر 2022 والذي يشترط أن يلتزم المترشح في مطلب ترشحه بالنموذج الوارد بالقرار المذكور. مع العلم أن هذا القرار نشر بالصفحة الرسمية للهيئة في 27 سبتمبر 2022 دون أن يتضمن إذنا صريحا بتنفيذه حالا. غير انه لم ينشر وفق ما يقتضيه القانون بالرائد الرسمي. ويشترط القرار أن تكون كل تزكية متضمنة وجوبا للبرنامج الانتخابي للمترشح وفق النموذج الذي قدمته الهيئة للمترشحين هذا ولم يلتزم المترشح وفق قرار الهيئة بالنموذج فقد كتب في كل وثيقة تزكية «كلمة لا شيء» وفضل أن يكتب برنامجه الانتخابي في ورقة مستقلة عن وثيقة التزكية. فكيف عالجت المحكمة هذا الإشكال ؟

1. تطبيق القانون من متعلقات النظام العام

إن مجال تطبيق القانون هو متعلقات النظام العام تثيره المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الطرف الطاعن وبناء على هذا المعطى الجوهري فقد أثارت المحكمة من تلقاء نفسها مسألة نشر القرار الترتيبي عدد 25 الصادر عن الهيئة والمؤرخ في 26 سبتمبر 2022 بالرائد الرسمي كشرط لا محيد عنه لنفاذه. علما وان الهيئة استندت على هذا القرار غير المنشور بالرائد الرسمي لرفض ترشح الطاعن.

2 نشر القرارات الترتيبية لهيئة الانتخابات في الرائد مسألة وجوبية

وقد ذكرت المحكمة في قرارها بجملة النصوص القانونية التي تفرض وجوبية نشر قرارات الهيئة بالرائد الرسمي قانون أساسي عدد 23 لسنة 2012 مؤرخ في 20 ديسمبر 2012 يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

الفصل 19: يتولى مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وضع التراتيب اللازمة لتنفيذ التشريع الانتخابي وتنفيذ المهام الموكولة للهيئة يمضيها رئيس الهيئة أو نائبه عند الاقتضاء وتنشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

قانون عدد 64 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 يتعلق بنشر النصوص بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبنفاذها.

الفصل 2: تكون النصوص القانونية والترتيبية نافذة المفعول بعد مضي خمسة أيام على إيداع الرائد الرسمي المدرجة به بمقر ولاية تونس العاصمة. ولا يعتبر في حساب الأجل يوم الإيداع. ويمكن أن تتضمن هذه النصوص إذنا صريحا بتنفيذها حالا أو في أجل يتجاوز المهلة المذكورة بالفقرة الأولى من هذا الفصل.

مرسوم من رئيس الحكومة عدد 1 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بالنشرية الإلكترونية للرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبتحديد تاريخ نفاذ النصوص القانونية.

الفصل الأول: خلافا لأحكام القانون عدد 64 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 المشار إليه أعلاه، تُنشر القوانين والمراسيم والأوامر والقرارات والنصوص القانونية الأخرى بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في نشرية إلكترونية مؤمنة على الموقع الإلكتروني للمطبعة الرسمية للجمهورية التونسية التالي: «www.iort.gov.tn» ويكون النفاذ إليها مع السماح بتحميلها دون مقابل.

تنشر النصوص القانونية المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا الفصل باللغة العربية وبلغات أخرى على سبيل الإعلام.

تنشر الإعلانات القانونية والعدلية بالنشرية الإلكترونية للرائد الرسمي للجمهورية التونسية وفق أحكام الفقرة الأولى من هذا الفصل، وحسبما يقتضيه التشريع الجاري به العمل.

الفصل 2: تكون النصوص التشريعية والترتيبية نافذة المفعول من اليوم الموالي لنشرها بالنشرية الإلكترونية، طبقا لأحكام الفصل الأول من هذا المرسوم، بالموقع الإلكتروني للمطبعة الرسمية للجمهورية التونسية وإيداعها بالموقع المخصص لذلك التابع لولاية تونس. يتم إيداع النشرية الإلكترونية المؤمنة من الرائد الرسمي بولاية تونس عبر الوسائل الإلكترونية.

ويمكن أن تتضمن هذه النصوص إذنا صريحا بنفاذها حالا أو في أجل آخر تحدّده

3. لا حق لهيئة الانتخابات أن تشترط اتباع النموذج لعدم نشره بالرائد الرسمي

وقد ارتأت المحكمة أن الهيئة قد أخطأت في مجال تطبيق القانون باعتمادها نصا ترتيبيا غير نافذ زمن اتخاذها لقرارها المطعون فيه أورثه عدم شرعيته آلت به إلى الإلغاء وذلك لأنه لم يثبت للمحكمة نشر قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 25 والمتعلق بقواعد وإجراءات الترشح لانتخابات التشريعية 2022 سند القرار المطعون فيه بالرائد الرسمي.

4. المحكمة لا تعتمد غير مرسوم عدد 55 لسنة 2022 مؤرّخ في 15 سبتمبر 2022

يتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه.

وبناء على هذا الخطأ القانوني الذي ارتكبته الهيئة فقد ارتأت المحكمة ألا تنظر إلى قرار الهيئة عدد 25 المذكور لعدم نشره في الرائد الرسمي وألا تعتمد غير الإجراءات الواردة بالمرسوم المذكور أعلاه والذي يتضمن شروط الترشح للانتخابات التشريعية.

فقد اقتضى الفصل 21 جديد من هذا المرسوم أن يقدّم مطلب الترشّح للانتخابات التشريعيّة إلى الهيئة من قبل المترشّح أو من ينوبه.

ويتضمّن مطلب الترشّح ومرفقاته وجوبا:

  • اسم المترشّح الكامل وتاريخ ولادته ومكانها ومقرّ إقامته،
  • تصريحا ممضى من قبل المترشّح باستيفاء كافة شروط الترشّح،
  • نسخة من بطاقة التعريف الوطنيّة أو جواز السفر،
  • صورة شمسيّة للمترشح وفق المعايير التي تحدّدها الهيئة،
  • بطاقة عدد 3 خالية من السّوابق العدليّة في الجرائم القصديّة أو وصل الاستلام على أن تتولّى الهيئة في هذه الحالة التثبّت من خلوّ البطاقة من السّوابق العدليّة المشار إليها،
  • وصل في خلاص الضّريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين بعنوان السّنة المنقضية،
  • شهادة في إبراء الذّمة من الأداءات البلديّة،
  • شهادة إقامة
  • موجز البرنامج الانتخابي للمترشّح مشفوع بقائمة اسميّة تضمّ أربعمائة تزكية من النّاخبين المسجّلين في الدّائرة الانتخابيّة معرّف عليها بإمضاء المزكّين لدى ضابط الحالة المدنيّة أو لدى الهيئة الفرعيّة للانتخابات المختصّة ترابيّا، وذلك وفق المعايير والشّروط التي تحدّدها الهيئة.

5. المترشح تتوفر فيه جميع شروط الترشح

فاذا استثنينا من شروط الترشح النقطة 12 من بلاغ الهيئة الصادر الثلاثاء 27 سبتمبر 2022، – والذي ينص على ضرورة أن يتضمن مطلب الترشح قائمة أسمية المزكّين مصحوبة بأربعمائة تزكية (400) من الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية المترشح عنها، نصفها من النساء وربعها على الأقل من الشباب دون سن الخامس والثلاثين معرّف عليها بالإمضاء لدى ضابط الحالة المدنية أو لدى أعوان الهيئة الفرعية للانتخابات المختصة ترابيا وذلك طبقا للأنموذج المعد من الهيئة والمنشور في صفحتها الرسمية على الفايسبوك وموقعها الرسمي وذلك لعدم نشر قرارها بالرائد الرسمي كما جاء ذكره فان المترشح قد احترم كل الشروط القانونية المنصوص عليها بالمرسوم وذلك لوجود البرنامج الانتخابي مفردا وغير مضمن بكل تزكية. بناء على أن احترام النموذج لا يعول عليه ولا ينظر إليه لغياب النشر مما يتجه معه الاقتصار على شروط الترشح وفق ما ورد بالمرسوم عدد 55.

المحكمة تقرر

ولكل هذه الأسباب قضت المحكمة في الأصل بعد توفر الشرطين الشكلين المتعلقين بالصفة والمصلحة بإلغاء القرار المطعون فيه والقاضي بعدم قبول ترشح الطاعن والإذن للهيئة المطعون ضدها بقبول مطلب ترشح الطاعن للانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر 2022 بالدائرة الانتخابية بجبنيانة العامرة وإدراجه بشكل نهائي في قائمة المترشحين.

6. درس في احترام مبدأ الشرعية

إن دور القضاء في دولة القانون باعتباره يصنع التوازن بين السلط هو الكفيل بأن يحمي الأفراد والمجتمع من كل تجاوز للسلطة التنفيذية أو الهيئات التابعة لها. وان الوظيفة الأساسية للمحكمة الإدارية هو فرض احترام القانون كمبدأ أساسي من مبادئ الشرعية.

فمن الغريب أن يصرح فاروق بوعسكر في التعليق على حكم المحكمة الإدارية بصفاقس بان قرارات الهيئة تنفذ فورا في حين أنه يعلم جيدا أن ما يقوله مخالف تماما للقانون. صحيح أن أي قانون أو قرار يمكن أن ينفذ فورا بمجرد إقراره ولكن وبموجب النص القانوني المعروض في هذا المقال والذي ورد في قرار المحكمة فان النفاذ الفوري للقانون أو القرار يجب أن يكون متضمنا فيهما بشكل صريح وهو ما لم يتوفر في قرار الهيئة عدد 25. ومن الغريب أن تنفرد محكمة صفاقس الإدارية بهذا الحكم في حين أن هذا الخطأ الإجرائي المرتكب من الهيئة موضوع هذا المقال يمكن أن ينسحب على جملة أعمالها. كما انه من الغريب أن ترتكب هيئة رئيسها قاض عدلي كما تتضمن تركيبتها قاضيا إداريا مثل هذا الخطأ الفادح !. كيف يمكن أن نفهم هذا الخطأ بدون الإقرار بان البلاد قد دخلت في حالة من الفوضى القانونية التي تجعل من الانتخابات القادمة برمتها محل تساؤل ؟. فماذا بقي من القانون في تونس لنتحدث عن انتخابات تشريعية أو غيرها في زمن لم يعد فيه مجال لغير الطغيان والتسلط والجبروت لولا بقية باقية من مقاومة لا يزال يمارسها القضاء المستقل.

إسطرلاب

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock