تدوينات تونسية

“عبد الله المعياري” ينقد الرّئيس

الخال عمار جماعي

انقطع عنّي خبره حتى خلت أنّه مات رغم أنّي لم ألاحظ قبرًا جديدًا في مقبرة “الدوّار” التي ضمّت قبورا معروفة لجيل ما قبل “عبد الله المعياري”.. وعبد الله يعتقد فيما يشاع من أنّ لعنة تلاحق أهله إذا مات أحدهم فلا بدّ أن يلحقه ستّة لتمام السّبعة ! ومن سخف اعتقاده أيضا أنّه لا يغشى الجنائز لأنّه كما يقول: “عزرايين مازال واقف على راس الميّت”! غير أنّ هذا لم يمنعه من ركوب العجوز للذّة وتبطّن كتابٍ ليشيع علم “المعيار” فلا يصدّقه إلاّ بعض جلاّسه.. وأنا.

قلت لا مفرّ من زيارته في بيته.. وبيته طينيّ يجمع حجارة متخالفة ويخرج من سقفه مزراب معدنيّ ويتوسّطه باب لا ينطبق على ساكفه فيُحدث صريرًا كخرخرة محتضرٍ كلّما هبّت ريح.. وقفت أمامه وناديت: “عمّ عبد الله!” فجاء صوت واهن: “خُش.. ما عليك برّاني”.. دفعت البابَ فرأيت العجوز قابعة أمام موقد الشّاي و “عبد الله” كخشبة يتّكئ على مرفقه وأمامه كتابه مفتوحًا.. رفع نظره وقال لامباليًا بعد أن زامَ زومته: ” صار أنتَ؟! أقعد أقعد”.. عرضت عليه سيجارة فقعد وتهيّأ وقال للعجوز: “درا مازال ما طابش برّادك؟!”.. لم تجبه ولا حتى التفتت إليه.. فضحكتُ عليه في سرّي!

قال وهو يفتل السيجارة بين أصابعه: “ريت هاك الطحّانة؟” شجّعته بصمتي ليتمادى فلن يصبر على فُحش.ٍ.. زاد: “سرّيفة ناتنة.. لا دين لا مِلّة.. كلاب! لوّحلها عظم تبّعك.. ملّي فوّجت علينا ها الفوعة لا عاد منهو يجي ولا منهو يحلّڨ.. تقول قطاطيس وطلقتلهم شحمة”.. قلت لمزيد دفعه: “صحيح والله ناس بلا شرف ولا نيف”.. جذب سرواله حتى بانت ركبتاه ثمّ تربّع ليكون في وجهي: “البلاد هذي نفّضت كالخلطاية يا ولد خويا.. وكان ربّي يديرلها نايب.. ريت هاك الرفاقة اللي كانوا يجوني يِحبوا؟.. ملّي قلتلهم راهو صاحبكم نخلته صيص وحديثه خَلط وحشفْ وجرّته ندامة، ما عاد متلفّتلي حدّ منهم”.

قلت: “تي ما هو حتّى أنت لسانك زفر.. وزيد هذاكة رئيس وإلّي خاف نجي”.. استوى “عبد الله” على ركبتيه كجمل وهدر: “أناهو رئيس؟ وايش دخّلني في السياسة؟ وايش مجيّبك أنت أصلا قدايا ؟! ” وقام يفكّ.. فانسللت خجلاً وما سمعت الاّ صوت العجوز تقول: “أقعد هاهو البرّاد طاب”..

ملحق : علمت بعد ذلك أنّ “عبد الله” معياريًا آخر انتصب في حلقة ضمّت رفاق عمّ عبد الله الأصلي.. وسمّى نفسه “عبد الله الحشدي”!

“الخال”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock