تدوينات تونسية

عبد الله المعياري.. يلاعب ظلّه

الخال عمار جماعي

حين يستقيم عمود الظلّ ويأخذ شكل صاحبه حتى كأنّه هو يحلو لعبد الله المعياري وهو يخرج من بيته نحو مجلسه أن يلاعبه. فالشمس ساعتها تميل إلى يمينه فيمتدّ ظلّه إلى يساره. تراه من بعيد يرفع يده أو يوسع بين ساقيه أو يعيد لفّ لحفته حول رأسه.. وعبد الله لا يعتقد في القول: “متى يستقيم الظلّ والعود أعوج؟!” ويثبت ذلك بظلّه فإذا كانت الشمس وراءه انحنى أو انحرف فابصر ظلّه مستقيما.. يكتفي بالقول: “قدّاش تكذبوا العرب!” ويعلّق بها على كلّ قول غريب..

كنّا نراه قادما على هيئته تلك فيهمس صحبه فيما بينهم: “عبد الله اضبّع” فيجيب آخر: “من هاك العام” فيسأله آخر: “أناهو عام؟” فيجمع ساقيه ويشبك أصابعه على ركبتيه ويقول: “من عام الموقراطية.. والله دروشاته مسيكين”. فيلحّ آخر: “عام واش؟” فيحسم جامع ساقيه: “تي عام اللّي بهيمة حْمَدْ صكّت خليفة” فيزُومون معا ويحرّكون رؤوسهم مؤيدين.. فإذا اقترب عبد الله سكتوا واشرأبّوا.

بدا يومَها مهموما -ومتى كان غير مهموم؟!- كأنه يحمل على كتفيه زنبيلا كان في ملاعبته لظله يحاول إسقاطه.. جلس، وضع كتاب: “علم المعيار” أمامه وظلّ واجمًا يخطّ بعود في الرّمل تائها عن نفسه..

  • لاباس ماهو سي عبد الله؟

تنهّد من جواجيه وقال: “البلاد ماعادش فيها.. نحسابوها جابت خيرها ودارت سيدها شْوَيْ طلع حنش بو سبع روس.. تقول الواحد كان مربّي ذيب”.. قال أحدهم: “والله حتى خليفة من ساعتها لا هزّ ساهلة” قال المعياري: “أناهو خليفة؟” أجاب مستغربا: “إلّي صكّاته بهيمة حْمَدْ”.. عاد عبد الله بالسؤال: “أناهو حْمَدْ؟” قال: “إلّي بهيمته صكّت خليفة”.. عرف ساعتها عبد الله المعياري أنّه وقع في قطيع أحمرة وأنّه يحرث بعود في الرّمل..

لمّا كان يفتّش عبد الله عن تكّة سرواله فلا يجدها، كان الجماعة قد ابتعدوا عن مجال بوله المعياري.. غير أنّه من يومها لم يعد يلاعب ظلّه بل أصبح “ملاعب الأفاعي”.

“الخال”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock