صالح التيزاوي
رمضان هو شهر الصّوم الواجب عند المسلمين، وهو شهر التقوى وأعمال البرّ… درج المسلمون على الإحتفال به والإستعداد لقدومه كما لا يفعلون في شهر آخر.. يحبّونه ويشتاقون إليه… شوق لا يعرف سرّه إلّا الذين يشعرون بفرح غامر لحظة الإفطار.. لحظة الشّعور بالإنتصار على الغريزة والإستجابة لأمر اللّه بالصّوم.. قال نبيّ الإسلام وأفضل من صلّى وصام “لو علمت أمّتي ما في رمضان من خير.. لتمنّت أن تكون السّنة كلّها رمضان”.
ََولئن كانت عبادة الصّوم وما ارتبط بها من خصوصيّات، مثل صلاة التّراويح، والسّحور، وإقامة موائد الإفطار، وتلاوة القرآن، والإكثار من الصّدقة، قواسم مشتركة بين المسلمين، في كلّ بلاد الإسلام. فإنّ عادات وتقاليد أخرى نشأت في كل بلد، لتميّزه عن غيره من بلاد المسلمين.. مدافع الإفطار، التي تختلف تقاليدها من بلاد إلى أخرى وتزيين الشوارع والشّرفات والمحلّات التّجاريّة والجوامع بالفوانيس في سوريا، ومهرجان المدينة وتزيين الجوامع بفوانيس ملوّنة و”السّلاميات” في تونس.. وظواهر أخرى بدأت تختفي، منها ظاهرة “بوطبيلة” في تونس أو “المسحّراتي كما يسمّونه في المشرق و”النّفّار” كما يسمّونه في المغرب لتذكير النّاس بموعد السّحور مع اختلاف في الكلمات. ويظلّ موكب رصد هلال رمضان من أبرز التّقاليد الرّسميّة والشّعبيّة المصاحبة لاستقبال الشّهر الفضيل.. بما فيها من اختلافات في العالمين العربي والإسلامي.
لقد ظلّت الجوانب الإسلاميّة في شهر رمضان وما نشأ في محيطها من عادات وتقاليد، تشكّل هويّة الأمّة المسلمة وسمتها الحضاريّة، زمن الإستعمار وتكسبها مناعة في وجه التّغريب وأشكال الغزو الثّقافي، كما حافظت أجواء رمضان على هويّة الأمّة وخصوصياتها في زمن العولمة التي شكّلت تهديدا بالتّلاشي لكلّ هويّات الشعوب وثقافاتها وتراثها، قبل أن توقف جائحة الكورونا زحفها على مابقى من تلك الخصوصيّات.
غير أنّ رمضان هذا العام، يأتي في أجواء مختلفة بسبب تفشّي وباء الكورونا الذي فرض على المسلمين، كما على البشريّة أسلوبا جديدا في الحياة.. لأوّل مرّة في التّاريخ يستقبل المسلمون شهر رمضان والجوامع مغلقة، فلا تراويح ولا إفطارات جماعيّة كما تعوّد المسلمون في بعض بلاد الإسلام، ولا ختم للقرآن بالمساجد والجوامع ولا عمرة في شهر رمضان.. فقد خلت الكعبة بالكامل من زوّارها بعد أن أغلقت أبوابها للمرّة الأولى في وجوههم.. زيادة على تعطّل الصّلوات الجماعيّة، منذ بداية تفشّي الوباء.. هكذا نقلتنا الكورونا إلى عالم آخر، لم يخطر على بال أوسع النّاس خيالا.. لكأنّ النّاس ناموا وقد تركوا العالم على حال ولمّا استيقظوا وجدوه على حال أخرى.
اختفت في هذا العام بعض العادات، منها ظاهرة التّسوّق قبل دخول رمضان، ليس بسبب ارتفاع منسوب الوعي، ولكن لأنّ الوباء قيّد حركة النّاس، إلّا فيما هو ضروريّ وربّما لأنّ أغلب العائلات خزّنت كفايتها من المؤونة، تحسّبا لتداعيات تفشّي الوباء.. كما اختفى تزاحم النّسوة في الأسواق وفي المغازات كما في كلّ رمضان لشراء الأواني الجديدة.. سيكتفين هذا العام بإخراج الأواني القديمة..
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.