مقالات

الجنسيّة الغربيّة.. والجنسيّة التونسيّة والعربيّة..!!

عبد اللّطيف درباله

شاهدت فيديو لتقرير إخباريّ على موقع “بي بي سي عربي” لامرأة كرديّة من سوريا.. وصلت إلى إنجلترا سنة 2012.. وهي لاجئة هاربة من الحرب الأهليّة السوريّة.. فحصلت على اللّجوء.. ثمّ الإقامة.. ثمّ الجنسيّة البريطانيّة..
وكان موضوع الروبورتاج الإخباري أنّها ستشارك للمرّة الأولى في الإنتخابات التشريعيّة التي جرت منذ أيّام ببريطانيا..!!
أي بعد سبع سنوات فقط.. أصبح شخص أجنبي لم يكن له علاقة بتاتا بدولة بريطانيا.. وربّما لم يزرها سابقا في حياته.. أصبح مواطنا بريطانيّا.. واكتسب فورا الحقّ في مشاركة بقيّة مواطني بريطانيا الأصليّين في تقرير مصيرها واختيار حكّامها.. مثله مثل ملايين الأشخاص الآخرين الذين تحصّلوا أيضا على الجنسيّة البريطانيّة طوال السنوات الفائتة..!!!

الحقيقة انّ الأمر لا يقتصر على بريطانيا..
فالإقامة بضع أعوام فقط.. قد تكون خمس سنوات أو عشر سنوات على أقصى تقدير.. في أغلب بلدان أوروبّا.. وفي الولايات المتّحدة الأمريكيّة.. وفي كندا.. وفي أستراليا.. وفي غيرها..
أو الزواج بمواطن من ذلك البلد..
يعطيك الحقّ في إكتساب الجنسيّة بصفة شبة آليّة.. فقط بتوفّر بعض الشروط القانونيّة والواقعيّة..!!
بل أنّ هناك بلدانا غربيّة.. أصبحت تمنح المقيمين حتّى من غير الحاصلين على الجنسيّة.. الحقّ في التصويت في الإنتخابات البلديّة.. باعتبار أنّ حقّ الإقامة القانونيّة الذي لديهم.. وواجبهم في دفع الأداءات.. يمنحهم الحقّ في المقابل في التمتّع بالخدمات المحليّة والبلديّة.. وبالتالي يعطيهم الحقّ في اختيار أعضاء المجالس البلديّة في المناطق التي يقيمون ويعيشون فيها..!!

في المقابل.. فإنّ أغلب البلدان العربيّة.. ترفض تمكين الأشخاص الأجانب من جنسيّتها.. ولو عاشوا عشرات السنوات فيها..!!
بل أنّ آلاف المواطنين ومنهم العرب.. ولدوا وعاشوا وماتوا في بعض البلدان العربيّة.. دون أن يكتسبوا بتاتا جنسيّة تلك البلدان التي أصبحت عمليّا أوطانا لهم.. إمّا لأنّ قوانين تلك البلدان العربيّة لا تسمح.. أو لأنّ قوانينها تسمح نظريّا.. لكنّ سلطات تلك البلدان ترفض منحهم الجنسيّة عمليّا..!!

نفس الشيء في تونس.. فهناك آلاف الأجانب.. منهم عرب.. يعيشون في تونس منذ سنوات طويلة.. وبرغم ذلك لا تسمح قوانيننا.. ولا سلطاتنا.. بمنحهم الجنسيّة التونسيّة..!!
بعض الأجانب أقاموا في تونس عشرات السّنين.. ربّما أكثر ممّا أقاموا في أوطانهم.. أو ولدوا في بلادنا.. والكثير منهم قدّم خدمات جليلة للدولة التونسيّة ولمجتمعها ولاقتصادها.. ولم يحظوا بفرصة الحصول على الجنسيّة التونسيّة..!! وبعضهم كان سيكون سعيدا بذلك فقط اعتباريّا ومعنويّا.. رغم أنّ جنسيّة بلاده الأصليّة “أفضل” من ناحية الإمتيازات وقيمة جواز السّفر والقيود على التنقّل في العالم ونحوه..!!

بل الأغرب من ذلك.. أنّه توجد آلاف الحالات لتونسيّين.. رجالا ونساء.. متزوّجين من أجانب.. ومنهم عرب.. ومنهم مسلمين.. وأنجبوا منهم أطفالا اكتسبوا الجنسيّة التونسيّة.. وتقدّموا بمطالب للحصول على الجنسيّة.. ولكنّها إمّا رفضت صراحة.. أو رفضت ضمنيّا على الطريقة التونسيّة بعدم الجواب عنها رسميّا.. وبقاءها في أدراج الإدارات المعنيّة بلا جواب لسنوات طويلة..!!
وأعرف شخصيّا عدّة حالات.. منها المؤسفة و”المريعة”..!!
منها مثلا رجل أعمال تونسي متزوّج من سيّدة مغربيّة منذ ثلاثين عاما.. ويقيم معها بتونس.. وقد أنجب منها ثلاثة أبناء تونسيّين.. ورغم ذلك عانى الويلات في محاولة الحصول لزوجته على الجنسيّة التونسيّة.. ولو تزوّجت أمريكيّا أو كنديّا أو فرنسيّا أو أنجليزيّا أو إيطاليّا.. وأقامت سنوات قليلة معه ببلاده وأنجبت منه أبناء.. لحصلت على الجنسيّة فورا..!!
وهناك حالات لعدّة نساء تونسيّات متزوّجات من رجال عرب ومسلمين.. من ليبيا ومن الجزائر ومن المغرب ومن مصر ومن لبنان ومن بعض دول الخليج.. لا يحلمون بالحصول على الجنسيّة التونسيّة لأزواجهنّ.. ولو عاشوا في تونس لعشرات السّنين..!!
بل أنّ المرأة التونسيّة كان لا يحصل أبناؤها على الجنسيّة التونسيّة عند زواجها من رجل غير تونسي.. ولم يتغيّر ذلك القانون إلاّ منذ سنوات قليلة..!!

في المقابل.. فإنّ مئات آلاف التونسيّين يتمتعّون اليوم بجنسيّات دول أجنبيّة.. منها أساسا الغربيّة..
فقط بعد بضع سنوات قصيرة من العيش فيها..
وهم يتمتّعون هناك بكلّ حقوق المواطنين في تلك الدول.. من حقّ الإنتخاب وجواز السفر.. إلى منحة البطالة والعلاج المجّاني..!!!

بعد ذلك.. مازال من يتّهم الدول الغربيّة بالعنصريّة وبرفض الأجانب.. ويعتبر أنّ دولتنا تونس.. ودولنا العربيّة عموما.. هي أفضل وأكثر تقبّلا للأجانب وللغرباء..!!!
فهل أنّ عقدة الجنسيّة لدينا.. هي نوع من النرجسيّة والغرور الوطني..؟؟!!
أو هي احترازات أمنيّة فائقة الحساسيّة..؟؟!!
أو هو تقوقع ثقافي وانغلاق حضاري..؟؟!!
أو هو نوع من الممارسة العنصريّة..؟؟!!
أم هو الشعور والإعتقاد في تفوّق الجنس التونسي.. واعتقاد كلّ دولة عربيّة في تفوّق جنسها وعرقها.. لدرجة أنّه لا يجب تدنيس جنسيّتنا بدم الأجانب عن تلك الدول.. حتّى ولو كانوا عربا ومسلمين..؟؟؟!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock