إسماعيل بوسروال
مرت وزارة التربية منذ 2011 بعديد الوزراء فيهم من اكتفى بالتسيير العادي لشؤون الوزارة ومن بينهم من سعى الى ترك بصمته وتخليد ذكراه برسم جراح عميقة في جسم المنظومة التربوية… واؤكد انني اتناول التحليل بمنظار المربي المحايد الذي يأمل “اصلاح الشأن التربوي”.
وزيران اثنان فقط غامرا بإعمال السكاكين في المنظومة التربوية التي ظلت تنزف من 2011 الى 2019.
الوزيران المغامران هما :
- الطيب البكوش
- ناجي جلول
وسأخصص المقال الأول للضربات التي وجهها الطيب البكوش لوزارة التربية في حين سأخصص المقال الثاني لسكاكين ناجي جلول.
جراح أحدثها الوزير الطيب البكوش :
كانت أول القرارات “الثورية الكاذبة” التي اتخذها الوزير النقابي اليساري هو قرار اعفاء “مديري المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية” المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي البالغ عددهم حوالي 1200، وهي مجزرة فظيعة ارتكبت بلا ضوابط لان التعميم هو نوع من الظلم الناتج عن فكر عنصري جاهلي كما يفعل ملوك القرون الوسطى.
ذلك أن المنطق كان يقتضي أن تدرس الاوضاع حالة بحالة وأن يكون الابعاد او الاعفاء اثر استيفاء جميع المراحل واحترام الإجراءات التي تضمن حقوق الأفراد… فلا يجوز عزل مدير بسبب الانتماء الحزبي فحسب… فإذا كان أداؤه ممتازا وكفاءته التسييرية عالية فما المانع من تثبيته في مركزه !!! ؟؟؟
ولكن كيف كان البديل “البكوشي” لتعيين مديري الاعداديات والثانويات ؟
لم يكن الطيب البكوش وزيرا مدركا لحقائق التاريخ والجغرافيا… بل كان مغامرا شيوعيا دونكيشوتيا… إذ كان المنطق يقتضي إيجاد (صيغة عادلة) لتناظر شفاف بين الأساتذة لتولي قيادة معهد ثانوي او مدرسة اعدادية وفق مصفوفة معايير معلومة.
التجأ الوزير الطيب البكوش إلى حل (ماركسي / لينيني / ستاليني) وهو اعتماد صيغة لتعيين المديرين من أهم عناصرها (إجراء محادثة مع المترشح من قِبل لجنة مشتركة بين الادارة والنقابة)… وتدريجيا تحولت النقابات الى “سماسرة” و “بلطجية” إذا رفعوا فيتو في وجه شخص ما ينتهي مشواره فورا.
هذا الإجراء العبثي لا مثيل له في العالم المتحضر… ولكن استمر الى اليوم 2019 ولم يجرؤ أي وزير تربية على إلغائه لأن المسألة تتعلق بـ (مكسب نقابي لا تفريط فيه) وفقا لموازين القوى على الواقع.
عاثت نقابة التعليم الثانوي فسادا في مفاصل وزارة التربية بفضل السكين التي غرسها فيها الطيب البكوش فغابت (الحوكمة الرشيدة) عن تسيير المعاهد والاعداديات… واصبح (المدير) رهينة لدى النقابة الجهوية وأسيرا في المعهد تتحكم فيه نقابة الأساتذة + نقابة القيمين + نقابة موظفي التربية + نقابة عملة التربية… الخ… الخ
ليست منظومة تربوية تحكمها القوانين والاعراف والاخلاق بل غابة يصول فيها البلاشفة الجدد وهم اقل المخلوقات فهما لمتطلبات الأوضاع التربوية لانه تتحكم في حركاتهم وسكناتهم حسابات أيديولوجية.
السكين الثالثة التي ذبح بها الطيب البكوش استقلالية وزارة التربية هو توقيعه اتفاقية مع المعهد العربي لحقوق الإنسان بوصفه (شريكا مميزا) اي طرفا له أولوية التدخل في الشأن التربوي…
كان وزارة التربية حديقة منزلية للطيب البكوش وبذلك منح من لا يملك “حقا” لمن لا يستحق.
كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التربية تركوا هذه السكاكين تفعل مفعولها في جسد المدرسة التونسية لتنزف بدون رحمة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.