تدوينات تونسية

من “غدر” بالمدرسة العمومية في تونس ؟

إسماعيل بوسروال 

راهن الزعيم بورقيبة على المدرسة العمومية أداة للرقي الحضاري بالشعب التونسي، لقد نجح نجاحا باهرا في تحقيق مبدأين رئيسيين غيّرا الواقع التونسي وهما :

  • أ. الانتشار الأفقي للتعليم: (إنشاء المدارس في جميع الجهات).
  • ب. الانتشار العمودي للتعليم: (تمكين جميع التلاميذ من الدراسة في الابتدائي والثانوي والعالي).

وان كانت لنا مؤاخذات عن الخريطة الجامعية، في ذلك الزمن، فان ذلك يعود إلى نقائص في التخطيط الاستراتيجي والنظرة الخاصة للزعيم بورقيبة ومزاجه المتقلب.

استمر الدور الريادي للمدرسة العمومية كمصعد اجتماعي إلى حدود اندلاع ثورة الحرية والكرامة حيث سمحت (حكومات الأيادي المرتعشة) بان تعبث نقابات مراهقة بأهم مرفق اجتماعي في تونس.
مثّل قرار وزير التربية، 2011، الطيب البكوش عزل 1200 مديرا (في التعليم الإعدادي والثانوي) بحجة انهم “تجمعيون” بداية الانهيار الفعلي لانهيار المدرسة العمومية بسبب حصول #فوضى في التسيير الإداري# ثمّ حصلت اتفاقية نقابية-وزارية سمحت برقابة النقابة على تسمية المديرين.
حينئذ، خارت قوى الدولة، ذابت سلطة الإدارة فنشأت عصابات نقابية قوّضت المدرسة العمومية… لم تستطع أي حكومة ولا وزير تربية إلغاء هذا الاتفاق الأخرق.

تسلّل (ضعف الإدارة) من المركز إلى الجهات فتحولت المندوبيات الجهوية إلى لعبة تلهو بها نقابات القطاع المتعددة (ثانوي، ابتدائي، قيمون، موظفون، عمال… الخ…).

تعددت الإضرابات والانقطاعات في كل المؤسسات التربوية وتلاشى تأثير التعليم في تحسين المستوى المعرفي والثقافي للمتعلمين… نتج عن ذلك هجرة الفئات الاجتماعية المتوسطة للمدرسة العمومية والتوجه نحو التعليم الخاص.

كما عبث الوزير ناجي جلول بمسار الإصلاح التربوي عندما ادعى إشراك الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان في إعداد قانون توجيهي جديد وتطوير برامج وإنتاج كتب ووثائق الخ… الخ… وظهر لاحقا “المنهاج” بدون سند قانوني…

زراعة بعلي في التعليم العمومي

ولكن الحقيقة الخافية عن الرأي العام الوطني أن مهمة الإصلاح التربوي أوكلت إلى أفراد استئصاليين من:

  • نقابة متفقدي الثانوي
  • نقابة متفقدي الابتدائي

(يمثلون الاتحاد والوزارة في نفس الوقت)

استمرّ هذا النسق إلى اليوم وأضيف إلى المشاركين طرفان هما :

  • مكتب دراسات فرنسي (التنظير).
  • منظمة اليونيسيف (التمويل).

إن العبث الذي تعيشه المنظومة التربوية حيث ينظم المعلمون “وقفة احتجاجية” في ساحة القصبة مطالبين الحكومة بتطبيق القوانين التي وقع سنها والاتفاقيات التي تم توقيعها بما يعني انقلاب المقاييس (الحاكم يتنكر لالتزاماته أمام شعبه).

لذا فان جريمة الغدر بالمدرسة العمومية تتحملها الأطراف التالية:

  1. الحكومات المتعاقبة من2011.
  2. وزراء التربية خاصة الطيب البكوش وناجي جلول.
  3. نقابات التعليم الثانوي والابتدائي.
  4. نقابتا المتفقدين للابتدائي والثانوي.
  5. البرلمان التونسي المتقاعس عن دوره الرقابي والمتخاذل أمام القضايا الجادة.

إن الحل الوحيد الممكن لشؤون المدرسة العمومية -حسب رأيي- هو إحداث مجلس أعلى للتربية له صبغة “تقريرية”… أي يحكم فعلا… (اقتراح الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية).

مع الملاحظة أن المجلس الأعلى للتربية الذي ورد في دستور قيس سعيد 2022 لا قيمة له لأنه لا دور له فهو ذو صبغة “استشارية”، مثال لجان محفوظ وبلعيد وبودربالة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock