نكتة الزوج والزوجة والهاتف المحمول.. والإتحّاد العام التونسي للشغل.. وعماد الدايمي..!!!
عبد اللّطيف درباله
هناك نكتة تقول بأنّ امرأة أمسكت بالهاتف الذكيّ المحمول لزوجها.. وألحّت عليه بأن يفتحه.. لتطّلع عليه.. وتتأكّد ممّا فيه ومن عدم وجود ما يدعو للشكّ وللريبة في تصرّفاته.. لكنّ الزوج رفض..
أصرّت المرأة.. وقالت له أنّه إن لم يفتح الهاتف ويعطها الرقم السرّي للاطّلاع عليه.. فإنّ معنى ذلك أنّ لديه ما يخفيه.. وأنّها ستفارقه وتطلب الطلاق..!!
ضحك الزوج في هدوء وقال لها..
أنّه مادام إن لم يفتح الهاتف فستطلقّه..
وإن فتح الهاتف ورأت ما فيه فإنّها أيضا فستطلّقه..
لذا ومادام الطلاق في الحالتين أكيدا.. فالأفضل أن لا يفتح الهاتف.. ويتمّ الطلاق دون فضائح..!!!
ذكّرتني هذه النكتة بمأزق الإتحّاد العام التونسي للشغل مع النائب السابق عماد الدايمي..!!!
فقد طلب الدايمي من الإتّحاد في صلب نشاطه الجمعيّاتي الرقابي.. أن يطلعه على حساباته وموازناته الماليّة وعلى حالات التفرّغ المدفوعة الأجر لقادة الإتّحاد..
لكنّ الإتّحاد رفض رفضا مطلقا..!!
رغم أنّ الإتّحاد وقادته يصرّحون دائما عند كلّ تشكيك في الحسابات وفي حسن التصرّف في أموال وميزانيّة الإتّحاد البالغة ملايين الدينارات سنويّا.. بأنّهم براء من أيّ شبهات فساد.. وبأنّهم يعتمدون الشفافيّة الكاملة.. وينفون التستّر عن حساباتهم.. ويؤكّدون بأنّ هناك مراقبي حسابات لتقاريرهم الماليّة.. ويصرّحون بأنّ الجلسات العامّة تناقش التقارير الماليّة باستمرار ويقع إعلانها للعموم..!!
فإذا.. وخلافا لكلّ تلك التصريحات والإدّعاءات.. وعند أوّل طلب جدّي ورسمي وكتابي من شخص للإتّحاد بالإطّلاع على الموازنات والتقارير الماليّة والحسابات ووضعيّة قادته.. يرفض رفضا قطعيّا وحاسما..!!
عماد الدايمي لم ييأس.. وقد رفع الأمر إلى الهيئة الوطنيّة للنفاذ إلى المعلومة.. طبق ما يخوّله القانون..
الإتّحاد العام التونسي للشغل الذي قدّم أجوبة رسميّة للهيئة جوابا على ذلك الطلب.. رفض مرّة أخرى تمكين الدايمي من تقاريره الماليّة أو أيّ معلومات.. وتذرّع بأسباب شكليّة باعتباره منظّمة غير عموميّة ولا تخضع لقانون النفاذ إلى المعلومة..
عماد الدايمي اعتمد مرّة أخرى على القانون.. والذي يُخضِعُ جميع الهيئات والمنظّمات والمؤسّسات التي تحصل على أموال أو دعم عمومي.. إلى الحقّ في النفاذ إلى المعلومة مثل سائر الإدارات والمؤسّسات العموميّة الأخرى.. ويلزمها في هذه الحالة بإطلاع العموم على وثائقها وإعطائهم المعلومة وفق القانون الخاصّ في الغرض..!!
إتّحاد الشغل حاول التهرّب من ذلك القانون.. بحجّة أنّه غير مدعوم من الدّولة.. ولا يتلقّى أيّ دعم أو مال عمومي..
عماد الدايمي أقام الدّليل مرّة أخرى بالحجج والوثائق والبراهين.. على أنّ الإتّحاد العام التونسي للشغل يحظى بالفعل بدعم الدّولة من الأموال العموميّة.. وذلك بصفة مباشرة وغير مباشرة..
الطريقة غير المباشرة.. هي حالات التفرّغ للعمل النقابيّ لقيادات في الإتّحاد تعمل بالوظيفة العموميّة وبالمؤسّسات العموميّة.. والتي تحصل على أجورها دون أيّ عمل منجز.. لكن مقابل نشاطهم النقّابي..
الطريقة المباشرة.. تتمثّل في دعم مالي نقدي سنوي تقدّمه الدولة التونسيّة للإتّحاد العام التونسي للشغل.. إذ تبيّن مثلا بحسب الأرقام المتداولة.. أنّ الدّولة منحت إتّحاد الشغل ما يناهز 20 مليون دينار من سنة 2011 إلى سنة 2019..
ويجعل كلّ ذلك إتّحاد الشغل خاضعا بالتالي إلى قانون النفاذ إلى المعلومة باعتباره يحصل على دعم مالي عمومي.. أي من أموال عموم المواطنين دافعي الضرائب..!!
اليوم..
فإنّ الإتّحاد العام التونسي للشغل لا يزال يملك قانونيّا الحقّ والفرصة للطّعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة أمام المحكمة الإداريّة..
ولسائل أن يسأل.. لماذا يصرّ الإتّحاد العام التونسي للشغل على عدم كشف حساباته وموازناته وتقاريره الماليّة وحالات التفرّغ للعمل النقّابي لقادته بأجور من الجهات التي يعملون بها طيلة سنوات.. أي بما يعني أنّ مؤسّسة أو شركة ما.. تدفع أجرة طرف نقّابي طيلة سنوات.. دون أن يحضر يوما للعمل لديها..؟؟؟!!!
إذا ما لم يكن للإتّحاد ما يخشاه أو ما يخاف منه في أوراقه ووضعيّته الماليّة والمحاسبيّة والقانونيّة.. فلماذا يصرّ على الإخفاء والتستّر والتكتّم..؟؟!!
وإذا ما قرّر القضاء في النهاية إقرار قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة وإلزام الإتّحاد العام التونسي للشغل بتقديم المعلومات المطلوبة.. فماذا سيكون قرار وموقف الإتّحاد النهائي في مواجهة ذلك الحكم القضائي..؟؟!!
هل سيوافق الإتّحاد.. أم سيرفض..؟؟!!
وإذا ما رفض إتّحاد الشغل الخضوع لحكم القضاء ضدّه إن حصل ذلك..
فكيف سيواجه الشعب التونسي..؟؟!!
وكيف سيواجه منظوريه ..؟؟!!
وكيف سيبرّر لهم إتّحاد الشغل تناقضه بادّعاء النزاهة والشفافيّة وإنعدام أيّ شبهة فساد من جهة.. وبين الإصرار على السريّة وعلى إخفاء أيّ معلومات أو وثائق محاسبيّة أو ماليّة من جهة أخرى..؟؟!!
وكيف سيبرّر الإتّحاد العام التونسي للشغل عدم إذعانه لقرار الهيئات القانونيّة أو قرارا المحاكم القضائيّة في تونس.. والحال أنّ قادة الإتّحاد يعلنون دائما تمسّكهم بدولة القانون والمؤسّسات.. وبأنّه لا أحد أو هيئة أو جهة فوق القانون في تونس..؟؟!!
الحقيقة أنّ القانون الخاصّ بالنفاذ إلى المعلومة ليس رادعا في الخصوص.. وقد لا يمكنه ردع الإتّحاد العام التونسي وإجبار قادته على الخضوع لتنفيذ القرار.. باعتبار أنّ الفصل 57 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلّق بالحقّ في النفاذ إلى المعلومة يكتفي بإقرار عقوبة ماليّة تبلغ ما بين 500 و5000 دينار لكلّ من يتعمّد تعطيل النفاذ إلى المعلومة.. وهي عقوبة ماليّة “بسيطة” يمكن دفعها وإراحة البال من عناء السؤال وكشف الوثائق..!!!
كما أنّ صدور حكم قضائي لاحقا في حالة طعن الإتّحاد في قرار الهيئة.. بإقرار إلزام الإتّحاد بتسليم المعلومات والوثائق.. قد لا يكون بدوره كافيا لإجبار الإتّحاد على كشف الوثائق والحسابات..
- أوّلا لأنّه من المشكوك فيه قدرة أيّ هيئة قضائيّة أو حكوميّة على فرض تنفيذ الإتّحاد حتّى لحكم قضائي..!!
- وثانيا لكونه حتّى في حالة تتبّع قادة الإتّحاد من أجل الإمتناع عن تنفيذ حكم قضائي وهي جريمة تخضع للقانون الجزائي.. فإنّه من المشكوك فيه أيضا القدرة على محاكمة قادة الإتّحاد قضائيّا من أجل مثل تلك التهمة..!!
وبعودة للنكتة السّابقة.. نخشى أن يكون موقف الإتّحاد الذي قد يفسّر تمسّكه بإخفاء موازنته ومحاسبته وتقاريره الماليّة والوضعيّة القانونيّة لقادته.. هو أنّه في الحالتين سيفُضح..
لذا فإنّ فضيحة الإخفاء ورفض الكشف عن المعلومات والأوراق.. ربّما تكون أقلّ وقعا من فضيحة كشف تلك المعلومات والأوراق وما تتضمنّه..!!
واللّه أعلم..!!!
سننتظر ونرى..!!