تدوينات تونسية

المكلّف والشّركاء المتشاكسون !

صالح التيزاوي

يخوض رئيس الحكومة المكلّف معركة تشكيل الحكومة المرتقبة وسط حقل من الألغام بين شركاء متشاكسين، إن رضي البعض، غضب البعض الآخر، على رأي الشّاعر..
إن رضي عنّي كرام عشيرتي..
لايزال غضبان عليّ لئامها..

يأمل الحبيب الجملي أن يضمن لحكومته حزاما برلمانيّا واسعا يتناغم مع رئيس الجمهوريّة في التّطلّع لتحقيق آمال التّونسيين من ثورتهم، كما يأمل لحكومته حزاما شعبيّا عمييقا، يكون قادرا على مواجهة الدّولة العميقة، فليس من المعقول أن يثور الشّعب على دولة الفساد ويدفع ضريبة الدّم، وعند الإصلاح يطلب منه أن ينسحب من المعركة، تاركا الميدان لأحزاب ليست جادّة في استئصال ورم الفساد، بنفس الجدّيّة التي تفتح بها جروح الماضي القريب والبعيد والإنغماس في مناكفات سياسيّة، وهي تدري أنّ الفرصة مواتية لتكوين حكومة يمكن أن ترشح منها رائحة الثّورة مجدّدا.

ثمانية أعوام ضاعت من عمر الثّورة، وكلّما ذكرناها حزِنّا، ليس بسبب قلّة المكاسب، بل من الأجواء المحمومة والمسمومة والتّخوين المتبادل والتّضليل الإعلامي، حتى داهم اليأس والإحباط الرّوح الجماعيّة، بفعل مكر بعض السّياسيين وقلّة تدبير آخرين.. فلماذا تصرّ حركة الشّعب وحزب التّيّار على قتل أمل أحياه وصول قيس سعيّد للرّئاسة بما حاز عليه من تفويض شعبي والتّفويت في مشهد ثوريّ، قد لا تجود الإنتخابات بمثله حتّى في حال إعادتها.

يتحرّك رئيس الحكومة المكلّف بين حزب أغلبي (أغلبيّة نسبيّة) يتمسّك بحقّه في ترشيح من يراه قادرا على تشكيل الحكومة، وبين حزب يحتكر لنفسه الصّفة الثّوريّة (حركة الشّعب) رغم أنّه يعتبر ربيع الثّروات العربيّة “ربيعا عبريّا” و”مؤامرة” على حكّام حكموا من المهد إلى اللّحد، وفشلوا فشلا ذريعا في بناء دولة قوميّة “état nation” رغم ما أتيح لهم من استقرار!! وبين حزب يحتكر الطّهر والطّهارة (حزب التيّار) ولا يفترضهما في غيره ممّن منحهم الشّعب ثقته.. ولا ضير في ذلك كلّه.. فما الذي يمنع التقاء الكتل الأربعة، المحسوبة على الثّورة حول الأدنى المشترك في نطاق خلق التواضع وعلويّة الدّستور وشراكة فعليّة في حكومة ثوريّة، كفيلة بإنهاء المنظومة القديمة التي باتت تترنّح تحت صعقة الإنتخابات الأخيرة ومن ثمّ التّفرّغ لاستحقاقات الثّورة المجيدة واجتثاث الفساد و الفاسدين…

كلّ حديث عن محاربة الفساد يبقى مجرّد دعاية حزبيّة إذا أحجم الحزبان عن المشاركة في حكومة موسّعة لمحاربة الفساد بصفة فعليّة.. ولا ضير من ميثاق شرف يلزم الحكومة والكتل المكوّنة لها بجعل محاربة الفساد أولوية ويفضح من يفكّر في النّكوص على عقبيه أمام شعبنا. قد يكون حجز مقعد في المعارضة أقصر طريق لإضعاف الحكومة القادمة إن تشكّلت بغير حركة الشّعب وحزب التيّار، ولكن من الثّابت أنّ ذلك سيمدّ في أنفاس الفاسدين ويمدّهم بطوق النّجاة من المحاسبة… وقد تخسر النّهضة في هذه الحالة ولكن لن يربح التيّار وحركة الشّعب ولا الثّورة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock