النهضة بعيدا عن السجال الدفاعي أو الهجومي
نور الدين الختروشي
تفاعلا مع عدنان منصر وبلغيث عون…
كتب عدنان منصر وبلغيث عون نصين متزامنين حول “موت النهضة” وبعيدا عن السجال الدفاعي أو الهجومي (لست معنيا حقيقة بالدفاع عنها أو الهجوم عليها) اسجل بداية أن النهضة كغيرها من الظواهر الاجتماعية تجري عليها سنن الاجتماع البشري نشأة وتطورا وصعودا ونزولا. فهي ليست استثناءا ومن الطبيعي بعد حوالي نصف القرن من عمر الحركة أن تعتريها عوارض الترهل والتحلل الداخلي.
اذكر انني كتبت جملة مكثفة على جداري بُعيد ترشيح الحركة لمورو للرئاسيات، مفادها أن النهضة بدأت كتابة سردية نهايتها.
زاوية الرؤية عندي مختلفة عما يطرحه منصر وعون حيث يركزا عن موقع ودور الغنوشي في “كبيرة اغتيال النهضة” هذا في حين مازلت مصرا ان عقدة النهضة ليست قيادة الغنوشي وليست حروب التموقع الظاهرة والباطنة في مونبليزير.
النهضة في مفصل تحولها من حركة الى حزب كان وما زال مطلوبا منها التخلي عن الرسالية التبشيرية وهذا اقتضى ضرورة التخلي عن آليات وأدوات التحكم التنظيمي بدءا بمقاييس الانتداب ونهاية بتقنيات التسيير الحزبي..
ولتوضيح الفكرة لنأخذ مثلا مسألة الطموح السياسي الذي بقي عند الاسلاميين مدانا اخلاقيا بهذا القدر او ذاك لانه في الظاهر يتناقض مع قيم جوهرية تربى عليها الإسلاميون كالاخلاص والتجرد هذا في حين تعتبر السياسة الطموح الشخصي من أهم عوامل نجاح الفاعل السياسي. فالمنخرط في حزب سياسي يفترض عينيا وبالملموس أنه مشروع حاكم بالقوة الى ان يتحول حاكما بالفعل.. وعلى هذا يكون القياس..
الحركة كانت معنية بتغيير صبغة الموجود الثقافي والسياسي ضمن عنوان شمولية التغيير هذا في حين الاحزاب مشروطة وجودا ووظيفة بموضوع الحكم، الذي كان ومازال وسيبقى مدار طمع الطامعين وطموح الطامحين، وهذا يقتضي اجتراح آليات وتقنيات تنظيمية جديدة لادارة الطموحات الذاتية المشروعة اخلاقيا والمطلوبة سياسيا لابناء الحزب.. وما بستتبعها من دعاية داخلية وتشكيل مراكز قوة حزبية حول هذا القيادي أو ذاك..
تقديري ان تحول الحركة من الرسالية الى السياسة لم ينضج فكريا وحركيا في وعي اطارات النهضة على الاقل بالعمق والوضوح اللازمين لاحداث النقلة دون التضحية بالوحدة.
لقد تُرك الغنوشي “لمصيره” في الإشراف على لحظة تنظيمية بينية غامضة ومفتوحة على كل الممكنات… فكان أداء الغنوشي القيادي مدار النقدية الداخلية دون ان نسمع او نقرأ لقيادات النهضة ما يفيد أنهم يحملون مشروع رؤية لفلسفة تنظيمية جديدة في إدارة الحركة إذا تجاوزنا ولم نلتفت طبعا لسذاجة ترديد مبادئ الديمقراطية والشفافية المدرسية في التسيير الحزبي، مما شرع للرأي القائل إن أشد منتقدي أسلوب الغنوشي في القيادة قضيتهم وهمهم واهتمامهم مداره الموقع في ذاته وليس أسلوب وآليات إدارته.
اردت فقط ان اسجل انطباعا عابرا لا يدعي التفكير العميق في مفاصل أزمة النهضة الجديدة وجوهر القول عندي المشكل ليس في الغنوشي ولا في فلسفة التسيير فهذا عارض المشكل وتعبيره السطحي.. المشكل عميقا في أحشاء حركة لم تتعود على إدارة مواء جوع السلطة في أحشائها…