تدوينات تونسية

ذهبت إلى سجن المرناقية لزيارة الشيخ

لزهر العكرمي

ذهبت إلى سجن المرناقية لزيارة الشيخ راشد الغنوشي الذي أقام معي فيه مدة أربعة أشهر، جاؤوا به مبتسما عانقني وشكرني، تحدثنا عن ظروف الإفطار، والأكل البارد، وما يمكن شراؤه من الكانطينة، قال لي انه صائم منذ السابع من أكتوبر نصرة للمقاومة في غزة، وأبلغني انه رفض الذهاب إلى الطبيب مقيد اليدين، تفحصني بتمعن وقال لي أنا جيت هنا بقرار سياسي واذا خرجت باش نخرج بقرار سياسي، عمري ثلاثة وثمانين عام ومانيش طالب من الطبة يزيدوني في العمر ونمشيلهم مكتف… لم أجد أي تعليق أقوله أنا الذي أفرغت نفسي من مخلفات معاركنا السابقة، ومن الحقد والتشفي، وأيديولوجية الإستئصال.

راشد الغنوشي
راشد الغنوشي

بعد ذلك ذهبت لأجلس مع سي علي لعريض زهاء ساعتين فوجدته هادئا، مطمئنا، محتسبا، علي لعريض الذي كونت عنه فكرة عن طريق السماع ولم تجمعنا قبلا غير مشاعر العداوة والقدح… لكني بحثت وتحققت أن الرجل ليس بالصورة التي رسمت له، فهو الذي قضى ستة عشر عاما سجنا زمن بن علي منها اثنا عشر سنة انفرادية واذكر انه تسلم منا في 26\12\2012 وزارة الداخلية، كانت قناعتي انه سينتقم وينكل بمن عذبوه ونكلوا به إلا انه لم يمسس أحدا ولا فكر في الانتقام كما قال لي اليوم. وعلمت عنه أشياء يضيق بها المجال هنا عن الرجل…

عدت بعد ذلك وإنسانيتي وتجربتي ورحلة العمر تعتصر قلبي، عما بلغته بلادي من قسوة وتشفي وروح استئصال، هذا غير التملق والانتهازية لكثيرين ياما تملقوا النهضة وزحفوا على بطونهم للحصول على أي كسب رخيص واليوم تسمعهم يجعجعون “المهم ارتحنا من النهضة”.

خلاصة القول أن الإسلاميين أبناء هذه البلاد وفي أوج قوتهم لم يلغوا المربع الديمقراطي، اختلفنا، تصارعنا حد العداوة، وليس من حقنا ولا من حق غيرنا أن يمنحهم حقا أو ينزع عنهم حقا، والبلاد تتسع للجميع في نظام ديمقراطي يحكمه القانون… الحرية كطاير الفينيق تحترق وتطير من رمادها فتبقى تحوم في الفضاء منتظرة الفرصة المناسبة لتعود إلى أرضها… تونس ارض الحرية، قاصمة الجبارين، الحرية لمعتقلي الرأي والفكر والسياسيين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock