مقالات

الإنسجام المزيّف بين الرئيسين قيس سعيّد ويوسف الشاهد..

عبد اللّطيف درباله

“ألّي عطاك حبل.. كتّفه بيه”..!!

يوسف الشاهد رئيس الحكومة مستعدّ لأن يعمل كلّ شيء لقيس سعيّد رئيس الجمهوريّة التونسيّة الجديد المنتخب.. مقابل أن يرضى عنه.. وأن يستعيد بعض شعبيّته.. وأن يجد له فرصة مكان أو منصب في الحكومة القادمة..!!
يوسف الشاهد مستعدّ بأن يتحوّل من رئيس حكومة يملك سلطات وصلاحيّات دستوريّة أكثر من رئيس الدولة نفسه.. إلى مجرّد شبه وزير أوّل يرافق الرئيس ويأتمر بأوامره.. ويذكّرنا بالوزير الأوّل محدود الصلاحيّات قبل الثورة في النظام الرئاسي..!!

  • الشاهد مستعدّ لأن يعزل الوزراء بمجرّد رغبة من رئيس الجمهوريّة.. رغم أنّ الأصل أنّ رئيس الحكومة هو الذي يعيّن ويعزل الوزراء.. بعد إستشارة رئيس الدولة بالنسبة لوزراء الخارجيّة والدّفاع فقط.. مجرّد إستشارة لا غير..!!
  • الشاهد مستعدّ بأن يعمل هو نفسه وزيرا للخارجيّة لدى رئيس الدّولة.. يقابل المسؤولين الأجانب نيابة عنه.. ويقبل تكليفه لتمثيله.. وينقل رسائله إلى قادة الدول الأخرى..!!
  • الشاهد مستعدّ بأن يسافر في مهامّ ديبلوماسيّة خارجيّة مصحوبا بمستشار الرئيس.. وتحت نظره..!!
  • الشاهد مستعدّ بأن يعمل حتّى “بوسطاجي” لدى الرئيس سعيّد..!!
  • الشاهد مستعدّ بأن يعمل “جنايني” يغرس ويسقي معه الأشجار في عيد الشجرة..!!
  • الشاهد مستعدّ لأن يستمع لدروس الأستاذ قيس سعيّد وهو يطلعه على الكتاب كأستاذ مع طالبه..!!
  • الشاهد مستعدّ بأن يرافق رئيس الدولة في زياراته الفجئيّة.. ويقف مع الرئيس مستغربا بدوره ممّا يراه من هول الفوضى والزبالة وانتهاك البيئة والغابات.. وكأنّه ليس هو رئيس الحكومة المسؤول سياسيّا عن ذلك طوال ثلاث سنوات..!!
  • الشاهد مستعدّ لأن يقوم حتّى بحملات تنظيف يأمر بها الرئيس سعيّد.. أو مجرّد أن يرغب فيها..!!
  • باختصار.. الشاهد مستعدّ لكلّ شيء ليرضى عنه قيس سعيّد.. علّه يثمّن تعاونه.. ويكنّ له بعض الإعجاب.. ويساعده في أن يبقى في التركيبة الحكوميّة القادمة.. وأن لا يخرج من السّلطة.. حتّى ولو ليس كرئيس حكومة..!!

يوسف الشاهد يعتقد أنّه يمكن أن يطبّق نفس التكتيك الخداعي الإنبطاحي السابق.. الذي جرّبه مرارا مع الرؤساء وأولي نعمته والأحزاب.. قبل الإنقلاب عليهم لاحقا كما تعوّد..!!
كما فعل الشاهد مع الباجي قايد السّبسي في بداية رئاسته للحكومة.. حيث كان يظهر كتلميذ أو ابن للباجي.. ثمّ انقلب عليه وقزّمه وهاجمه وهمّشه وحاربه هو وابنه..!!
وكما فعل مع النّهضة ومع راشد الغنّوشي أيّام ساندوه ضدّ الرئيس السّبسي.. وجنّبوه العزل المهين.. فأعطاهم ما أرادوا.. قبل أن ينقلب عليهم ويخالفهم ويهمّشهم بمجرّد أن تعدّى مرحلة خطر العزل..!!
هذا دون المرور بتفاصيل إنقلاباته على جميع الأحزاب التي دخلت معه في الحكومة.. إذ أغوى أغلب قياداتها.. وأخرجهم من أحزابهم وأدخلهم معه في حزبه الجديد.. في ما عدا أعضاء الحكومة من النّهضة الذين لم ينضمّوا إليه.. لكنّ بعضهم أصبحوا بوقا وعرّابين له داخل النّهضة نفسها.. وتسبّبوا في خلافاتها وإنقسامها وضعفها لأجله..!!

اليوم يعتقد الشّاهد بأنّه يمكن أن يلعب نفس اللّعبة مع الرئيس الجديد قيس سعيّد.. خاصّة بعد ما أشيع ولا نعرف صحّته من رغبة الشاهد في البقاء في الحكومة الجديدة ليس كرئيس حكومة لاستحالة ذلك.. وإنّما كوزير للخارجيّة.. وهو المنصب الذي قد يحتاج ليس فقط إلى إستشارة الرئيس قيس سعيّد طبق ما ينصّ عليه الدستور.. وإنّما ربّما إلى موافقته الصّريحة.. باعتباره يصعب مخالفة رأيه في اختيار وزير الدّفاع والخارجيّة اليوم.. نظرا إلى القوّة السياسيّة للرّجل حاليّا.. المستمدّة من شرعيّته الشعبيّة الطاغية.. مقارنة بضعف الحكومة التي ستتكوّن من عدّة أحزاب وكتل صغيرة ومتناقضة ومتصارعة..!!
ويعتقد الشاهد بأنّه يمكن أن يضحك على شخص مثل قيس سعيّد لمجرّد أن أرضاه.. وأبدى معه تعاونا لا مشروطا.. ولمجرّد أن أبدى قيس إتّجاهه الرّضاء الظّاهر.. متناسيا بأنّ الرجل يفرّق بين ممارسة الأخلاق في التعامل وبين التمسّك بالمبادئ وبمصلحة الدّولة.. ويفرّق بين حسن التصرّف الإنساني وبين إتّخاذ القرار السياسي المناسب..!!

لا شكّ أنّ قيس سعيّد يدرك تماما.. وهو المواكب للساحة السياسيّة منذ سنوات.. المعدن الحقيقي لرجل مثل يوسف الشاهد..!!
ويدرك التاريخ السياسي القصير للشاهد.. لكن ذلك التاريخ الإنتهازي المتقلّب والمثير.. والزّاخر بالخيانات والإنقلابات على كلّ من أبدى لهم الإحترام والتقدير والعرفان والوفاء في البداية..!!
ويدرك نوايا الرّجل الحقيقيّة..!!
ويدرك سعيّد الشبهات التي تحوم حول رئيس الحكومة.. وحول فريق عمله المقرّب وشركائه في السّلطة.. خاصّة في مجال الفساد.. وفي مجال مقاومة الفساد المزعومة..!!
ويدرك قيس ما كان يوسف مستعدّا لفعله من أجل حرمانه من المشاركة ومن النجاح في الإنتخابات الرئاسيّة..!!
ويدرك الرئيس سعيّد جيّدا شخصيّة يوسف الشاهد.. وممارساته ومناوراته وألاعيبه وخبثه وطموحاته الانتهازية غير المحدودة.. التي هو على استعداد لتحقيقها بأيّ ثمن.. وبكلّ الوسائل..!!

لكلّ ذلك فإنّ محاولات يوسف الشاهد لن تنطل.. ولن تمرّ.. على الأرجح..!!!
لكنّ الرئيس قيس سعيّد.. وفي نقص لسلطاته وصلاحيّاته الدستوريّة.. فإنّه يمارس السياسة..!!
وفي ظلّ فراغ سياسيّ في إنتظار حكومة لا يعرف أحد متى ستتكوّن.. وكيف ستكون.. ومن سيكون رئيسها..!!
ومع إبداء شخص مثل يوسف الشاهد إستعداده الكامل لخدمته تقرّبا وطمعا وزلفى..!!
فإنّ قيس سعيّد ماكان ليضيّع على نفسه تلك الفرصة.. ليقوم بعمل ما قد لا يقدر على عمله مع رئيس حكومة ملتزم بمهامه.. ومعتدّا بمكانته.. وغير طامع في سلطة أو شعبيّة أو دعم من رئيس الدولة..!!!

وكما يقول المثل التونسي: “ألّي عطاك حبل.. كتّفه بيه”..!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock