تدوينات تونسية

رسالة إلى الشباب

أحمد الغيلوفي

لا اعتقد ان التراشق الإعلامي بين الفرقاء السياسيين امرا مُجديا. أجدى منه ان نجعل منهم موضوعا للتفكير ونُشخِّص ازمتهم التي هي ازمتنا حتى نصل الى ملامسة الشروط الاولية لنهضة شاملة وميلاد قوى سياسية خالية من الامراض العضال التي تعوق “النخبة” الحالية.

1. لنُسَجِّل اولا ان مفهوم “النخبة” فقد اجرائيته منذ 2010-2011.

  • أولا: لم يعد بالإمكان الحديث عن النخبة في عالم أصبحت فيه المعرفة ممكنة ومعطاة للجميع ولم تعد كما كانت في القرن التاسع عشر حكرا على طبقة أو فئة.
  • ثانيا: لاحظنا منذ 2011 ان الطبقة السياسية (نخبة الستينات والسبعينات) هي العائق الوحيد امام التطور نحو الديمقراطية، وهذا أمر يسهل فهمه: بعد الاستقلال أصبحت هذه النخبة هي النظام مع ما يعنيه ذلك من سلطة وثروات ورأسمال رمزي.
  • ثالثا: “الجدد” الذين يتصارعون الان هم في الحقيقة قدامى: لقد تشكل وعيهم وأساليب عملهم على هامش السلطة فورثوا اسوء ما فيها: جوهرها الذي قامت عليه: فكرة الخلاص التي تحتكرها النخبة اليعقوبية.
  • رابعا: مفهوم “النخبة” يعني الريادة والطليعة والقيادة والوعي. هذا وقع تكذيبه في مناسبات عِدة: عندما كانت النخبة تحاور بن علي أو تدافع عنه كان الوعي الجديد والغير مُهيكل ينادي بإسقاط النظام. عندما غرقت “النخبة” في وساوسها الايديولوجية كان الوعي الجديد يضع الاصبع على منوال التنمية والعدالة الاجتماعية. لقد تغير الترتيب الهرمي: لقد أصبحت النخبة في الاسفل تحاول اللحاق والتأقلم مع وعي جديد غير مُشكّل الي حد الان.

2. ما يحدث الان هو صراع بدون أي مضمون. لم نسمع اي برنامج تفصيلي لحل مشكلة واحدة. هناك شعارات وإعلان نوايا وكلام عام: “محاربة الفساد” بدون برنامج مُعلن. “التشغيل” بدون بيان مصادر التمويل. هناك عجز عن تصور البرامج يقع تعويضه بالتسويق للأشخاص: “نحن نظاف اذن نستطيع ان..”.

3. هناك مواصلة للصراعات القديمة بدون أي اعتبار لمصلحة الشعب: وراء الاشتراطات و”الأفكار” (حكومة الرئيس) -التي هي شكل محتشم من حكومة المهدي جمعة- عملية قفز وإلغاء لنتائج الصندوق. وراء هذا الانسداد ثلاثة توجهات: هناك من يريد تصفية حسابات تعود لحادثة المنشية ثم ليبيا وسوريا فوق الأرض التونسية. وهناك من ذاق طعم المشاركة في السلطة يريد أن يضغط حتى لا يخسر منزلة اكتسبها بفضل الحوار الوطني. وهناك الخاسر في الصناديق ولكن يريد البقاء في المناصب. هناك الاعلام الفاسد الذي يخشى أصحابه المحاكمة. سوف يجتمع كل هؤلاء حول الاتحاد وسوف تُفتح لهم المنابر الإعلامية.

4. هناك خوف من مواجهة مشاكل التوانسة وبالتالي خوف من الاندثار خاصة وان المزاج التونسي متقلب جدا ومثال النداء 2014 والنداء 2019 مصدر للفزع.

5. أخطر من هذا كله: لم يصلوا بعد إلى اليقين بأن الشعب التونسي يواجه تحديات لا يستطيع فصيل واحد مواجهتها مهما كانت قوته وشعبيته وعبقرية أعضائه ونظافة أيديهم. ولو فرضنا عبثا انه يستطيع لن تتركه ضباع الداخل. ولو فرضنا انها تركته لن يسلم من ذئاب الخارج. تونس تعيش انهيارا شاملا لا يواجه إلا بمشروع نهضة شامل وهذا لا يتحقق. الا بوحدة كل القوى السياسية حتى يضمن اعرض جبهة داخلية ممكنة تحمي المشروع وتتحمل اتعابه. اللحظة شبيهة إلى قدر كبير بلحظة التحرر من الاستعمار المباشر. بمعنى: التناقض الرئيسي ليس بين الاسلاميين والقوميين او بينهما وبين الحداثيين أو اليساريين، انه بين الاستعمار والقوى الوطنية. معيار الوطنية هنا هو المشاركة مع الآخرين، لأن أي خروج هو اضعاف لهذه الجبهة. لا يجب إخراج أحد إلا من أخرج نفسه. الوضع ليس وضع حكم ومعارضة. الطريف أن يتحدث عن الكتلة التاريخية عابد الجابري وأنور عبد الملك (الفكر العربي في معركة النهضة) وجماعتنا لم يتفطنوا بعد لهذا. سيقول الصبيان والاتباع الذين يستمرؤون السِّباب والتشاتم الفايسبوكي “هذه طوباوية.. هذا مستحيل”. ابق هكاكه سيأتي من يجعلون المستحيل ممكنا.
هؤلاء مشروع فشل. علينا التأسيس لجيل جديد يكون مُهيأ فكريا وسياسيا لمواجهة مشكل النهوض. ليس لنا حل غير خلق جيل جديد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock