تدوينات تونسية

صحوة ديمقراطية

عماد محنان

أحرار تونس، شرفاء الشعب، في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ تونس المعاصر، لحظات النّخوة والعزّ، يدخل شعبنا العزيز منعطفا جديدا ويضرب موعدا مع التّغيير.
لن تخذل الأستاذ قيس سعيّد في عهدته الرئاسيّة إلاّ الأزمات المفتعلة والحقيقيّة. ومن البديهي أن تحاول القوى المهزومة إرباك مسيرته من مختلف المواقع: التّحرّكات النّقابيّة والاحتجاجات المطلبيّة والهجومات الإعلاميّة التي تنتهج بثّ الأخبار الزائفة والشائعات أو تسعى إلى التّقزيم وتشويه السّمعة. ولا تُستبعد الاعتداءات الإرهابيّة باعتبار أنّ استعادة الشعب لنَفس الثّورة وإعلانه الاصطفاف ضدّ الفساد في الانتخابات الرّئاسيّة، يهدّد مصالح هذه القوى ويدكّ مواقعها، بل قد يفرض عليها حربا قانونيّة أو ثورة شعبيّة تعصف بها وبمصالح القوى الأجنبيّة الرّاعية لها.
إنّ هذه الصّحوة الدّيمقراطيّة ذات الميسم الأخلاقي الجليّ هي أقوى ضربة تُكال لمنظومة الفساد بأحزابها وإعلامها وأدواتها النّافذة في المؤسّسات والقطاعات الاقتصاديّة المختلفة. وهي عنوان مرحلة جديدة من مسيرة الشعب التوّنسي التّاريخيّة الرّائدة. ومن المؤمّل أن تكون تجربة ملهمة لشعوب المنطقة التي لا تزال تصارع الاستبداد. وبالنّظر إلى ذلك كلّه، فإنّ النّخب السّياسيّة الشّريفة، من مختلف المواقع الحزبيّة والثقافيّة والمؤسّسات العلميّة والإعلاميّة وداخل الأطر التنظيميّة المدنيّة، بعد أن كان لها إسهام جليّ في دفع جماهير الشعب إلى صنع هذا التغيير المشرّف، مدعوّة إلى تمثّل دورها بكامل الوعي والنّضج والمسؤوليّة لتواصل الوقوف بحزم وقوّة من أجل حماية مكتسبات هذه المرحلة والحيلولة دون الارتداد إلى دائرة النّكوص والانحراف عن خطّ الثورة.
إنّ طبيعة هذه الصّحوة من طبيعة ثورة 17 ديسمبر ــ 14 جانفي ذاتها لأنّهما وليدتا سياق واحد ونقطتان في مسار واحد طويل لا ينتهي إلاّ بفرض إرادة الشعب وتحقيق سيادته كاملة غير منقوصة، مفاجئةٌ في توقيتها، غيرُ ذات قيادة، سلميّة في نهجها، إنسانيّة في قيمها،. وإذ أبانت هذه الصّحوة القيميّة الدّيمقراطيّة عن طبيعتها ومقاصدها القريبة والبعيدة، فإنّها قد رسمت طريق النّخب الوطنيّة المستنيرة وحدّدت أدوارها المرحليّة. وأهمّ هذه الأدوار على الإطلاق التّنبّه لرسالة الشعب التي أبان فيها عن ثقته التامّة في الأحرار من أبنائه والشّرفاء وحَمَلة قيم الوطنيّة والحريّة الغيورين، وعن نبذه رموز الفساد والتّآمر وحملة ثقافة الغنيمة ووكلاء الخارج الاستعماري. فقد بدا يقينا أنّ نبض الشّعب حيّ، وأنّ ممارسات الفساد مهما تغلغلت في ثقافة المجتمع تظلّ مرضا مقيتا تستميت قوى الشّعب في مقاومته واستئصاله. ومن أهمّها أيضا التّجنّد لحماية خيارات الشعب وتجسيد روح الدّستور وتحقيق مطالب الفئات المهمّشة المحرومة والتّحرّر من التّبعيّة.
ولا يمكن أن تتحقّق هذه الأدوار إلاّ بالتّنظّم المدروس في هيكل نضالي تطوّعي من أجل تشكيل قوّة حماية لخيارات الشّعب ومقاومة الهجمات المضادّة بالسّبل القانونيّة السّلميّة وفضحها وكشف مصادرها وغاياتها وصياغة تصوّر لمشروع وطنيّ شامل لتعزيز دعائم الشرعيّة في مؤسّسة الرّئاسة وليكون قوّة اقتراح في مؤسّسة الشّعب التّشريعيّة وعامل إلهام لقوى المجتمع المدني.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock