تدوينات تونسية

الشعب يريد

منذر بوهدي

هو تسونامي شبابي كاسر لكل الخطوط الحمراء وعابر للإيديولوجيا تشكل لاستكمال الهزة الأولى التي نزعت الغطاء على عفن النظام الذي اعتقد انه ازال رائحته الكريهة بعد أن زوق الطبق بعطر الأموات وزرع في كل أركان البلاد الفساد وبرزت روائحه النتنة في كل أرجائها. لم تكن ثورة ثانية بل كان طوفانا رهيبا لا يستطيع أحد تصور مآلاته ولكن المؤكد أننا عدنا مجددا اوفياء لدماء الأبرياء والشرفاء بحق.
“الشعب يريد” كان شعارا أطلق إبان الثورة عندما تعالت الأصوات المرددة له في كل شبر من تونسنا، أرض هذا “الزلزال” المتواصل ثم إخترق شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” حدودنا مدويّا في أقطار عدة من وطننا العربي، وانتهت الموجات الأولى من هذه الثورات أو الهزات أو غيرها من المسميات، التي لم تستقر بعد شأنها شأن الحدث المتحرك والمتحول والذي لا تزال تمظهراته تتشكل وتتكثف باستمرار، إلى تشوهات وارتدادات عميقة.
“الشعب يريد” يوم 13 أكتوبر 2019 مثل منعطفا جديدا لمسار الثورة نحتته أيادي الشعب التونسي من خلال تحقيق فوز ساحق للرئيس قيس سعيد أثبت أن الثورة لا تزال تسكن وجدان أغلبية الشعب التونسي ومثل درس “ثورة الصناديق” إبداعا شعبيا تونسيا مكن الشباب من معاقبة السلطة الفاشلة دون أن يضطر إلى مواجهتها في الشوارع للتعبير عن سخطه وغضبه من فشل سياسات الحكومات المتعاقبة منذ إنتخابات 2014، بل أن حجم القرف والجرائم المسكوت عنها بعنوان الحصانة البرلمانية أو الحزبية أو الفئوية بات خبز التونسي اليومي ومواضيع التندر في المقاهي والمجالس العامة مثلما كان الحال قبل الثورة.
الشعب يريد ملاحقة بقايا المنظومة المنهزمة التي لا تزال تسارع الزمن وتهرول في كل الاتجاهات مرتبكة ومبعثرة وتحاول دون جدوى الحفاظ أطول وقت ممكن على أكبر قدر ممكن من مواقعها المفصلية داخل مواقع القرار والدفاع باستماتة عن مراكز نفوذها، ومنها للأسف من يواصل زرع الألغام على غرار ما فعلت حكومة 2011 إبان فجر الثورة، وتفكيك كل ما دسته من مطبات ونزع فتيل دسائس الانفجار المهدد للشعب قريبا.
الشعب يريد حربا بلا هوادة على الفساد المستشري خاصة من جراء ممارسات منظومة 2014 التي رجّت اركان الدولة وهيبتها ودنست الرصيد القيمي والأخلاقي للشعب التونسي بل انها عزمت على تمزيق روابطه الوطنية وأواصره الأسرية وبنيته السوسيولوجية من خلال مبادرات عديدة ناضل الشباب التونسي طويلا وبحت أصواته صياحا في الشوارع للتصدي لها دون أن يكون لاحتجاجاته المشروعة صدى، مثل قانون المصالحة ومشروع المساواة والمثلية وغيرها من القضايا الهامشية التي تصدرت المشهد بإرادات خبيثة كانت تهدف لتعميم التمييع والتتفيه والتسطيح.
الشعب يريد من خلال إنتخاب الرئيس قيس سعيد تجذير لمسار الثورة وتأصيل لصورة الرئيس الرمز الحقيقي المتعلم والمثقف والواعي والثائر باستمرار ضد كل القوالب الخاوية والممارسات البالية والتعبيرات البليدة والمتأصل في هويته المغاربية والعربية والإسلامية والمنتصر للقضية الفلسطينية.
الشعب يريد تفجير كل هذه المضامين الثورية وصقلها في مخططات تنفيذية مضبوطة ومحددة في الزمن تأخذ بعين الإعتبار مقترحات الجهات ومتطلبات التناسق والتناغم مع المخططات الوطنية والموارد المالية ومسايرا لزخم الدعم الشعبي ومستجيبا للمطالب الآنية منها المتوسطة والبعيدة المدى.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock