حسين السنوسي
تدخل مكتب إقتراع في ضاحية من ضواحي باريس.
النّاس مبتسمون مثلما كانوا في الإنتخابات الأولى بعد الثّورة.
يبدو أنّ المعنويّات مرتفعة رغم مصائب السّنوات الأخيرة. سعيدون بالإنتخابات.
الحدّ الأدنى الدّيمقراطي لم يسقط رغم “قفّة الزّوّالي” ورغم الدّينار الذّي لم يعد يساوي إلّا ثلاثين صنتيما من الأورو ورغم أنف الذّين ينتظرون البيان رقم واحد ورغم أنف سائق التاكسي الذّي قال لي في الصيف الماضي “تونس لبن علي وبن علي لتونس”.
الحدّ الأدنى الدّيمقراطي لم يسقط. هذا خبر جيّد.
تجد إسمك في القائمة. تُمضي وتضع سبّابتك اليسرى في المحبرة. تتسلّم ورقة الإقتراع ثمّ تقصد الخلوة.
الإجراءات بسيطة والتّنظيم لا بأس به.
في خلوتك تضع العلامة المناسبة أمام المرشّح المناسب.
هذا المرشّح قد يكون الأفضل من وجهة نظرك وقد يكون أحد الأفضلين وهو في كلّ الأحوال المرشّح الذّي اخترت يوم أدركت “فوائد التّصويت المفيد”.
تطوي الورقة مرّتين ثمّ تغادر الخلوة. تضع الورقة في الصّندوق الشّفّاف. يقول الواقف بجانب الصّندوق “صوَّتَ” ثمّ يبتسم.
وأنت تغادر مكتب الإقتراع تدعو الله أن يحمي هذا البلد الطّيّب من “أولاد الحرام” في الدّاخل والخارج.
يجتاحك شعور جميل قد لا يكون فخرا لكنّه يشبه الفخر بأنّ هذا البلد الطّيّب قام بثورته الدّيمقراطيّة. تتذكّر زمانا -وما بالعهد من قدم- كنّا فيه لا نتحدّث إلّا همسا.
لو لم تقدّم لنا ثورة الفقراء والشّباب غير هذا لكفى: أعادت لنا بعض إنسانيّنتا وحوّلتنا من رعايا خائفين إلى مشروع مواطنين.
لكنّ هذه الثّورة لم تكتمل. ثورات عديدة مازالت تنتظر من يقوم بها مثل شخصيّات بيرانديلّو التّي كانت تبحث عن مؤلّف.
أوّل هذه الثّورات ثورة العقلنة وثورة تعميم ثقافة العمل وثورة الصّلح مع الذّات. ثورات يكمّل بعضها بعضا. خطوات إلى الأمام من أجل خطوات إلى الأمام. ثورات تشكلّ إذا اجتمعت هذا المهدي الذّي ينتظره العرب منذ قرن ونصف.
تكتمل الثّورة عندما تبدأ النّهضة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.