تدوينات تونسية

مناظرة غير متلفزة بين الملك ويوسف !

عبد القادر عبار

1. لان الشيء بالشيء يذكر على قول المثل.. ذكرتني المناظرات الرئاسية التلفزية لديمقراطيتنا الفتية بمناظرة عزيز مصر ليوسف عليه السلام.. في أول لقاء له به وقبل أن يستوزره والتي وثقها القران بقوله “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ”
2. فالعزيز الذي انبهر بيوسف المفتي، الذي عبر رؤيا عجز شيخ إفتاء البلاط والكوادر الجامعية وخبراء مؤسساته الثقافية والعلمية عن تأويلها تأويلا صحيحا مقنعا يطمئن إليه الملك، كما أعجب بيوسف العفيف والمظلوم والبريء.. تولدت لديه رغبة جامحة في التعرف عليه واستقطابه للبلاط ولم لا توظيفه مستشارا خاصا له.. ولكن لا بد من معرفة إمكانياته ومؤهلاته وتوجهاته وانتماءاته.. لا بد من مناظرته.
3. “فلما كلّمَهُ ..” حاوره، ناظره.. سواء كان المتكلم يوسف أو الملك، فيه خلاف بين المفسرين والأرجح أن المتكلم هو يوسف وخلاصة الأمر كما يقول ابن عاشور: أن يوسف عليه السلام كلم الملك كلامًا أعجب الملك بما فيه من حكمة وأدب (أي بلغة عصرنا قدم تحليلا منطقيا مدعما ومقنعا وبسط رؤيته للقضايا الهامة والحساسة التي تهم الوضع العام والمستقبلي للبلاد) فلما رأى حسن منطقه وبلاغة قوله وأصالة رأيه رآه أهلًا لثقته وتقريبه منه وهذه صيغة تولية جامعة لكل ما يحتاج إليه ولي الأمر من الخصال، لأن المكانة تقتضي العلم والقدرة؛ إذ بالعلم يتمكن من معرفة الخير والقصد إليه، وبالقدرة يستطيع فعل ما يبدو له من الخير؛ والأمانة تستدعي الحكمة والعدالة، إذ بالحكمة يوثر الأفعال الصالحة ويترك الشهوات الباطلة، وبالعدالة يوصل الحقوق إلى أهلها.
4. هذا الإعجاب أجج في الملك الرغبة في الاستعانة به في أمور مملكته فبادر إلى عرض المنصب عليه فرأى يوسف، عليه السّلام، أن يجعل الأولويّة للقضيّة الاقتصاديّة المُلحّة.. أن يتبنى الإشراف على إدارة أخطر قضية ستواجه المجتمع المصري. كيف لا، وهي تتعلق بأرواح الناس: ”قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” وهذا من حكمته وبعد نظره وواقعيته الواعية وحبه لما يعود بالنفع للبلاد والعباد… ولم يطلب شيئا لنفسه.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock