تدوينات تونسية

من ثقافة الفيراج إلى ثقافة المناظرة

سامي براهم

كلّما توجّهتَ بالنّقد لأفكار مرشّح بهجم عليك جماعته ويكيلون لك الاتهامات من كلّ حدب وصوب، وأخفّ تهمة أنّ ممارستك لحقّ التقييم والتعبير مجيّر لخدمة مرشّحك، إذا أنت مكلّف بنقد مرشّح خدمة لمرشّح بعينه، وهذا بالنّسبة إليهم تهمة وأمر معيب في حقّك !
مازالت الكثير من قواعد الأحزاب والمرشحين بعيدة عن أبجديات الثقافة الدّيمقراطيّة، يحاكمون النّوايا ولا يناقشون الأفكار، يسارعون للسباب ويعجزون عن بناء خطاب حجاجيّ بعيد عن التشنّج والانفعال.
ثقافة فيراج لا ثقافة حلقات نقاش، رغم أنّ عددا ممّن أعرفهم من مجانين الفيراج تستمتع بالنّقاش معهم وبسعة ثقافتهم.
ما يحدث في البلد من مناظرات هو حدث تاريخيّ نوعيّ بكلّ المعايير مهما كانت ملابساته وما يفتح عليه من انتظارات مجهولة قد يكون لها أثر سلبيّ على نسق التغيير في البلد.
سيكون لهذا الحدث قيمة مضافة إذا رافقه دربة على النّقاش العموميّ الدّيمقراطي الذي يبني وعيا ويكسب تقاليد لأخلاق الحوار المدني وقواعده حتّى لو كان في فضاء افتراضي عمومي مفتوح بدون قيود.
أمّا الانتصار للمرشّحين فيفترض أنّ كلّ ناخب “مرشّحه في جيبه” سواء صرّح به أم لم يصرّح، المهمّ أن نصل إلى مستوى من أخلاق المواطنة التي تحول دون استهداف المنافسين بشكل مجانيّ فقط لمجرّد أنّهم منافسون، وأن نتجنب التعصّب والولاء الذاتي الأعمى للمرشّح الذي اخترناه وأن نخوض النقاس العمومي الذي يطوّر الوعي واستيعاب تحدّيات ممّا يمكّن من تغيير الخيار الانتخابي كلّما تبيّن لنا وجود من هو أفضل.
هذا هو المبدأ الذي على أساسه تقام المناظرات والذي يمكّن من تجاوز ثقافة الفيراج والألتراس إلى ثقافة المناظرة والحوار والحجاج العقلاني والمساندة الواعية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock