مقالات

حذار: شجرة فساد نبيل القروي لا يجب أن تخفي غابة ديكتاتوريّة يوسف الشاهد..!!!

عبد اللّطيف درباله

المشكلة ليست هل يستحقّ نبيل القروي السّجن من عدمه؟
وليست هل ترضى بأن يكون القروي رئيسا؟
المشكلة في جوهرها هي هل تستحقّ الدّيمقراطيّة ومقاومة الفساد توظيف أساليب غير ديمقراطيّة وفاسدة لحمايتها؟!
والمشكلة الصّحيحة هي هل ترضى بأن يصبح يوسف الشاهد ديكتاتورا جديدا حتّى لا يصبح مثل نبيل القروي رئيسا؟؟!!
الذّين يشعرون بالرضا والإرتياح.. ويهلّلون لإيقاف نبيل القروي بتلك الطريقة الإعتباطيّة المتغطرسة.. بدعوى أنّه “فاسد” و”مافيا”.. ويقولون أنّه يستحقّ الإيقاف والإقصاء من سباق الإنتخابات الرئاسيّة ولو بطرق غير قانونيّة.. وبأساليب مدبّرة ومعيبة.. وإجراءات غير سليمة.. والمهمّ أنّه لن يصل إلى رئاسة الجمهوريّة مهما كانت الطريقة.. سيأتي عليهم يوم ستستعمل معهم وضدّهم نفس تلك الأساليب غير القانونيّة وغير الأخلاقيّة.. من طرف يوسف الشاهد نفسه.. أو من طرف من يمسك بالسّلطة حينها.. وسيكون هناك آخرين مثلهم سيهلّلون.. وسيبرّرون مثل تلك الأفعال القذرة وقتها أيضا..!!

المبادئ لا تتجزّأ..!!

وإذا ما كنّا نريد أن نبني دولة قويّة وعادلة.. فإنّه يجب علينا أن نقف من حيث المبدأ بوضوح.. وبقوّة.. وبدون تردّد.. وبلا استثناء.. وبلا تبرير.. ضدّ كلّ توظيف أو استعمال.. من طرف السّلطة والحكومة والحكّام.. للمنظومة القضائيّة.. أو للإدارة.. أو للجهاز الأمني.. أو للإعلام..
ولا يمكن بناء منظومة ديمقراطيّة ودولة حرّة تقوم على المساواة وتكريس الحقوق.. ولا ضمان علويّة القانون والقضاء.. ولا تكريس الأخلاق في الممارسة السياسيّة.. باعتماد أساليب غير قانونيّة.. أو غير أخلاقيّة..
لأنّ تلك الأساليب السيّئة التي نغمض عنها أعيننا اليوم.. بتعلاّت مختلفة وواهية.. حتّى ولو كانت ضدّ أشخاص يستحقّون المحاكمة والسّجن والإقصاء.. ستصبح هي القاعدة.. وستستعملها السّلطة ضدّ خصومها غدا.. تماما كما استعملتها اليوم.. وهلّلوا وطبّلوا لها هم أنفسهم اليوم..!!
التنازل بالسّماح بالممارسات غير الأخلاقيّة ولا القانونيّة ولا العادلة.. ضدّ الخصوم السياسيّين.. أو ضدّ الفاسدين والمتّهمين.. بتعلّة “إنّه فاسد”.. و”إنّه مجرم”.. و”إنّه يستحقّ”.. وأنّ “مكانه السّجن” في كلّ الحالات أيّا كانت الطّريقة.. هو خطر كبير على الدّولة.. وعلى الديمقراطيّة.. وعلى الشّعب نفسه..
فطبقا لما أثبته التاريخ.. من تكرار التجارب.. فإنّ النظام الدّيكتاتوري يبدأ عادة باستعمال قبضته الحديديّة ضدّ الخارجين عن القانون.. لكن بأساليب غير قانونيّة.. ويجد ذلك صدى وترحيبا مع عامّة الشّعب.. بل ونسبة هامّة من النخبة.. ومن السياسيّين.. فلا يتحرّجون من الطّرق غير الأخلاقيّة أو غير القانونيّة.. طالما استجابت لعواطفهم.. وخدمت مصالحهم.. وحقّقت الهدف الذي يظهر أنّه أسمى.. وهو ردع ووقف الخارجين عن القانون..
فعامّة الشّعب والنخبة.. سيشعرون بالإطمئنان لتحقيق النتيجة بضرب الفاسدين أيّا كانت الطّرق.. سليمة أو غير سليمة..
والسياسيّون سيتعاملون مع الوقائع بفكر إنتهازي من زاوية المصلحة الشخصيّة.. وسيفرحون بالقضاء على خصومهم.. بأيدي غيرهم.. ولو كان ذلك بطريقة سيّئة..
بعد أن تلقى تلك الممارسات المشبوهة إنتشارا وقبولا.. وتجد استكانة شعبيّة ونخبويّة وسياسيّة.. تبدأ السّلطة في استعمالها ضدّ بقيّة السياسيّين الذين لم يعارضوا تلك الأساليب القذرة.. فور أن أصبحوا هم بدورهم منافسين للحاكم ولمن في يده السّلطة.. وسيصعب عليهم حينها أن يحتجّوا على استعمال طرق سبق لهم تبريرها وإعلان موافقتهم على استعمالها..
ثمّ ستستعمل السّلطة تلك الأساليب على عامّة الشّعب.. وقد رضوا بها.. وقضت بواسطتها على النّخب وعلى السياسيّن المعارضين الذين كان يمكن أن يرفعوا صوتهم حينها للتنديد بها..
وسيكون الوقت قد فات..!!

خذ أفضل مثال في تاريخ تونس الحديث.. والقريب..

بعد إنقلاب 7 نوفمبر 1987.. سمح بن علي بديمقراطيّة مثاليّة وشبه كاملة لمدّة سنتين تقريبا.. فأطلق سراح جميع المعتقلين السياسيّين وسجناء الرأي.. ووقع منح رخص لأحزاب جديدة بعد حظر سابق.. ونشطت جميع الأحزاب المعارضة والموالية.. ومارس الجميع السياسة كما شاؤوا.. وأصبح الإعلام حرّا.. وصدرت عدّة صحف ونشريّات جديدة منها المعارضة لبن عليّ.. وشهدت البلاد إنتعاشة في الفكر والتعبير والفنّ والنشر.. وارتفع سقف الحريّات العامّة.. وازدهرت الحياة النقابيّة والجمعياتيّة والمدنيّة.. وعرف القضاء إنفراجة من هيمنة سلطة التعليمات..
إلى أن جاءت الإنتخابات التشريعيّة والرئاسيّة لسنة 1989.. وقد ترشّحت كلّ الأطياف السياسيّة..
غير أنّ فوز الإسلاميّن حينها بنسبة هامّة من مقاعد البرلمان.. ورغبة بن علي وحزبه الحاكم في السّيطرة المطلقة على الحكم.. جعلته يستشعر الخطر.. ويقرّر إقصاء خصومه السياسيّين.. وابتدأ بتزييف الإنتخابات..
الغريب أنّ بعض الأحزاب السياسيّة.. وبعض الشخصيّات السياسيّة.. حتّى المعارضة منها لبن علي وحزبه.. وبعض النّخب.. لم تعارض ذلك التزييف.. بل وبرّرته بالضّرورة القّصوى.. وبالمصلحة العليا للبلاد.. ورأوا أنّ فوز خصمهم السياسيّ (الإسلاميّون) بنسبة هامّة من مقاعد البرلمان هو خطر على الدّيمقراطيّة وعلى مدنيّة الدّولة وعلى المجتمع التونسي..
بعدها بدأ بن عليّ في مطاردة الإسلاميّين.. واستعمل ضدّهم العصا الغليظة.. وكانت الإجراءات اتّجاههم تدوس الدّستور.. والقانون.. والأخلاق.. والقيم..
لكن رغم ذلك برّرت طبقة كاملة من السياسيّين والإعلاميّين والنخبة وعامّة الشّعب.. تلك الممارسات القذرة والبشعة.. بتعلّة أنّ الهدف أسمى من الطريقة.. أيّ أنّ “الغاية تبرّر الوسيلة”..
في النهاية.. وبعد أن أكمل بن عليّ القضاء على الإسلاميّين وأقصى خصومه السياسيّين منهم.. بتوظيف الأمن والقضاء والإدارة والإعلام في حربه.. ابتدأ حربا جديدة ضدّ بقيّة منافسيه السياسيّين.. وضدّ معارضيه..
ووجد من كان من السياسيّين يبرّر ويطبّل للممارسات غير الأخلاقيّة.. وغير القانونيّة.. ضدّ خصومه السياسيّين.. أنّه أصبح بدوره ضحيّة لها.. وأنّه شرب من نفس الكأس..
وبعد القضاء على السياسيّين المعارضين.. وعلى النخب المعارضة.. عمّم نظام بن عليّ الديكتاتوري تلك الممارسات غير القانونيّة.. وغير الأخلاقيّة.. على عامّة الشّعب.. وتحوّلت تونس إلى سجن كبير يعيش مواطنوه جميعا تحت الإستبداد والغطرسة.. وتستعمل ضدّهم عند الضّرورة آلة قمع تبدو في ظاهرها قانونيّة.. وهي في الحقيقة وفي الواقع تنخر القانون..
اليوم أيضا.. يجب أن لا نغفل عن البوادر الديكتاتوريّة في سلوك رئيس الحكومة الحالي يوسف الشّاهد.. وتعمّده تنفيذ سياسة متغطرسة ومهيمنة.. يوظّف فيها القضاء والأمن والإدارة والإعلام.. ليضمن بقاءه في السّلطة بأيّ ثمن.. وليخرس منتقديه.. وليزيح خصومه السياسيّين.. إلى أن وصل لإقصاء منافسه في الإنتخابات بمثل تلك الطّرق المشبوهة ثلاثة أسابيع فقط قبل يوم التصويت..!!!
ولم تبتدأ مؤشّرات تلك الممارسات مع إيقاف نبيل القروي بتلك الطّريقة.. أو مع حرب الشاهد المزيّفة ضدّ الفساد التي استعمل فيها قانون الطّوارئ بدون أيّ ضمانات قضائيّة.. أو مع حالات التهديد والإبتزاز والضّغط التي طالت عددا من خصومه السياسيّين.. وإنّما ابتدأت في الواقع بممارسات عديدة أخرى منذ الأشهر الأولى التي سيطر فيها على قصر الحكومة بالقصبة.. وقرّر الإستفراد بالسّلطة.. بعيدا عن رئيس الجمهوريّة السّبسي وعن حزبه نداء تونس اللّذان كان لهما الفضل في تعيينه في ذلك المنصب..
يجب أن يكون الإنسان أعمى.. أو عديم الفهم.. أو جاهلا بالسّياسة.. حتّى لا يرى بوضوح كلّ تلك المؤشّرات السلبيّة على خطر متصاعد وجليّ لعودة الدّيكتاتوريّة كلّما أمسك يوسف الشّاهد بالسّلطة أكثر فأكثر.. وتوغّل بقوّة في طريق محاولة البّقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة.. وبأيّ ثمن أو أسلوب..!!!
من يبرّر تلك الممارسات اليوم حتّى ولو كانت ضدّ شخص سيّئ ومشبوه لا يصلح أبدا أن يكون رئيسا للجمهوريّة التونسيّة وهو نبيل القّروي.. عليه أن يدرك ويستوعب.. بأنّ شيطان الهيمنة والإستبداد.. إذا ما سمحنا له بالإنطلاق مرّة أخرى من قمقمه.. وفرحنا به.. وسكتنا عنه.. وحاولنا تبريره.. فلن يتسنّى لنا أبدا إرجاعه إلى القمقم لاحقا.. بعد أن ينمو ويتعملق ويذوق حلاوة السّلطة المطلقة.. وقد برع في استعمال آليّات وقدرات وسلطة الدّولة.. وخبر أساليب توظيف الحكومة والإدارة والأمن والقضاء لضمان استمرار سلطته.. ولتكريس هيمنته كحاكم واحد..!!
المشكلة ليست هل يستحقّ نبيل القّروي السّجن من عدمه؟
وليست هل ترضى بأن يكون القروي رئيسا؟
المشكلة في جوهرها هي هل تستحقّ الدّيمقراطيّة ومقاومة الفساد توظيف أساليب غير ديمقراطيّة وفاسدة لحمايتها؟!
والمشكلة الصّحيحة هي هل ترضى بأن يصبح الشاهد ديكتاتورا حتّى لا يصبح مثل نبيل القروي رئيسا؟؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock