تدوينات تونسية

في الدفاع عن النفس حتى بحرارة الروح

كمال الشارني

في مديح الدفاع عن النفس والتضامن مع المحامي الذي دافع عن بيته
إذا اعتمدنا على الرواية الأولية فإن المحامي الذي دافع عن نفسه وأسرته وبيته بإطلاق النار على لص يجب أن يكون بطلا قوميا، على الأقل في مقارنة بحادثة مماثلة في مدينة سوسة نفسها عنوانها الصحفي: “تصدى لمحاولة براكاج فوجهوا له طعنات قاتلة”، في حالة الدفاع عن الدم والعرض والمال: أنت إما بطل وإما شهيد في كل ديانات العالم وثقافاته، والأفضل للإنسان أن يبقى حيا حتى لا يتيتم أبناؤه وتترمل زوجته وتبكي أمه وحدها على قبره، أيا كان رأي القانون. في تراثنا: “تبكي أمه ولا تبكي أمي”، وفي القانون الأمريكي مجرد أن يضع الغريب ساقه الأولى في الملك الخاص دون إذن هو مبرر لإطلاق النار عليه دون تحذير، لم نصل إلى ذلك الحد من العدوانية، لكننا إزاء حالة غير مسبوقة من تخلي الدولة عن دورها في حماية مواطنيها وتفشي الإجرام إلى درجة جرأة اللصوص على الناس في الفضاء العام، فما بالك في بيتك ليلا مسلحين بالسكاكين.
من دافع عن دمه أو عرضه أو ماله فهو بطل، وفي حالة هذا المحامي، سوف تتضاعف مبيعات السلاح الفردي حتى دون رخصة، فهذا أفضل من انتظار دولة لا تأتي، دولة تفتخر بالقبض على منحرف فيه 74 منشور تفتيش، لو كانت دولة لتم إيقافه منذ الجريمة الثانية.
في الدفاع عن النفس حتى بحرارة الروح
بيننا وبين الدولة عقد مدني: تحتكر هي استعمال القوة حتى القاتلة مقابل أن تحمينا وتضمن سلامتنا الجسدية والمعنوية وسلامة ممتلكاتنا وحرياتنا العامة، لكن لما تخل الدولة بواجبها في حمايتنا، لا يبقى للناس إلا العودة إلى الحق الأصلي الغريزي في البقاء على قيد الحياة الذي نسميه “بحرارة الروح” والدفاع عن النفس الذي تنشأ منه كل الحقوق وبأية وسيلة من الحجرة إلى الصاروخ أو حتى كما قال لي صديق مسالم تحت تأثير غل القهر: “كان ما لقيتش ليهم صحة، نعض من الرقبة”.
تقولون لي: لا يمكن أن تضع الدولة عون أمن أمام كل بيت، أقول: ليس هذا، جريمة الدولة في حادثة محامي سوسة هي أنها تركت آلاف المنحرفين يتجولون أحرارا في الفضاء العام تحت صفة “متفش عنه”، بعضهم يحتمون بالدولة نفسها، بعضهم حقق رقما قياسيا: أكثر من 100 منشور تفتيش دون اعتبار من يئس من الدولة وسلم أمره لله تحت شعار الشكوى لغير الله مذلة، جريمة الدولة أنها تترك انطباعا للصوص والمنحرفين أنه ليس هناك دولة وأن الإفلات من العقاب هو الساري.
حبست دموعي مرة وأنا أقرأ عن أب قتله إباندية مأوى سيارات غير شرعي أمام زوجته وأطفاله في الشاطئ، الدولة العادلة لا تنتظر حتى يتولى المنحرفون امتلاك الشاطئ أو السوق أو الرصيف أو أي مكان ثم حتى تقع روح بشرية كانت تعول على الدولة في حمايتها، عليها أن تريهم العين الحمراء وأن تعتبر أي تدخل لحمايتهم مشاركة في الجريمة الأصلية، إما أن تعود الدولة إلى القيام بدورها في حمايتنا وإقناع المنحرفين حين يستيقظون صباحا أنه ثمة دولة عادلة، وإما أن يعود الناس إلى الغريزة التي جعلتنا نبقى على قيد الحياة في غياب الدولة والتي نشترك فيها مع القطة: الدفاع عن النفس.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock