قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ "نَفْطُكُم" غَوْرًا ..؟
عبد القادر عبار
على هامش مؤتمر المنامة الاقتصادي:
1. علم الله سبحانه أن هذا الخليج العربي الذي فقد عربه الأصليين، قاحل اجرد، غير ذي زرع، لا ينبت كلأ ولا ينتج ثمرا، فرحم المرابطين في جحيمه من سكانه، الغارقين في رماله، ونشر رحمته عليهم بتفجير أرضه نفطا ثجّاجا وعيونا تفيض ذهبا اسود أراده الله نعمة عامة وغيثا ارضيا نافعا لصلاح وإصلاح حال العباد والبلاد إلا أن السفهاء من غلمان السياسة وخصيان السلطة، الحفاة، العراة، رعاء الشاة، المتطاولين في الظلم والفساد والسفه والغباء.. أبوا إلا أن يجعلوه نقمة وفتنة وبلوى تؤذي الأوطان وتجرح قضية الأمة وما مؤتمر المنامة منا ببعيد وهو شاهد العصر الفاضح والواضح.
2. ولا تؤتوا السفهاء “نفْطكم”
المال بأنواعه قوّام أعمال.. وبما انه وسيلة فهو غير متّهم، بريء من مظاهر الإفساد وظواهر الفساد براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. وإنما الممسكون بمفاتيح خزائنه والمنفقون لديناره ودولاره والكانزون لذهبه وفضته، هم المتهمون بإفساده وتضييعه وذلك بإنفاقه في مالا ينفع ولا يفيد.. فيما لا يغني من جوع ولا يؤمن من خوف وفيما لا ينصر قضية ولا يحرر وطنا ولهذا حذرنا الله بقوله “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم”.
كذلك النفط الخليجي، بريء من خيانة القضية واغتيال زهرات الربيع العربي وتدمير الأوطان وتمييع القيم واغتيال الأحرار.. وإنما المتهمون المورّطون هم المغتسلون بفيضان آباره، القابضون لريع براميله.
3. الردْع القرآني.. لسفهاء النفط.. في آيتين من كتاب الله :
– في سورتي الكهف والملك يلفت الله سبحانه النظر إلى صيغة من صيغ قوة ردعه للمخالفين لنهجه والفاسقين عن أمره والمهدرين لنعمة الماء.. والمبذرين لثروة النفط وذلك بإمكانية سحب أصل الحياة واصل الثروة الفلاحية وهو الماء واصل الرفاهة والبذخ الخليجي وهو النفط.. وذلك بتغويره نهائيا بطريقة تجعل استرجاعه مستحيلا بان يأمر الله الأرض بان تبلع ماءها وللآبار ان تغيض نفطها.
4. في سورة الكهف قال المواطن العاقل لجاره المتهور:
“وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدً”.
وقد صدقت فراسة المواطن الصالح وتحقق تحذيره.. ولم ينتبه الجار المتهور السادر في غيه إلا بعد حصول المصيبة وفوات الأوان.
5. وفي سورة الملك يقول الله منبها ومحذرا:
“قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا.. فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ”.. ومن الأدب أن يجيب القارئ للآية بقوله “رب العالمين”.
6. تَعرِض الآيات الكريمة وضعية لا ينتبه لها السفيه ولكن يتصوَّرها العاقل، لأنها قد تحدث وتتحقَّق؛ فإمكانية ورودِها ووقوعها ممكنة وغير مستبعدة.
فما الحل اذا وقعت ؟! مَنْ يُصلح ذلك؟! مَنْ يُرجع حركة التدفق النفطي المنسابة الطيِّعة إلى حالتها الاصلية ؟!
هذا ما لا يطرحه الغافلون السادرون في اللهو والبلادة على أنفسهم.. لظنهم أن الآبار بخير ولن تجف والنفط وديع وأليف فلن يهرب ولن يعق أسياده.
واستعرض موقفين مختلفين للتعامل مع الآية:
7. تعامل احمد بن حنبل مع الاية
قال صالح بن أحمد بن حنبل: كان أبي إذا خَرَجَتِ الدلوُ ملأى ماء من البئر، قال: الحمد لله، قلت: يا أبت، أي شيء الفائدة في قولك الحمد لله والبئر لا تزال ملآنة بالماء… فقال: يا بني، أما سمعت الله تعالى يقول: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ”.
هذا الجواب والتصرف للإمام احمد هو بسبب رقته الإيمانية وحساسيته وخوفه من ان يؤاخذه الله بما يحتقر من الذنوب فيكون سببا في حرمانه من الماء لوضوئه وطعامه وشرابه.. فوجود الماء في البئر بالنسبة له ليس ضامنا لبقائه فالبئر مجرد وعاء وإنما رازق الماء هو الله وهو قادر على سحبه متى شاء وكيف شاء.
😎 والوضعية الثانية ما يرويه الزمخشري في تفسيره “الكشاف” عن رجل سماه أنه قرئت عليه هذه اخر اية سورة الملك فقال: تأتي به الفئوس والمعاول هذا الماء. يعني: يظن أن الأسباب وحدها تأتي بهذا الماء، فلما أصبح وجد أنه قد ذهب ماء عينه، فعمي -سبحان الله- فغار ماء عينه، فلم يعد يرى الماء المعين، وهذا مكر الله تعالى بالمكذبين والمستهزئين.
9. فهل ينتبه الخرّاصون السادرون.. لنعمة نفطهم فيحتاطون لبقائه وذلك بإنفاقه فيما يصلح أحوال معاش العباد وعافية البلاد.. ونصرة المستضعفين ودعم القضية الأم.. بدل إفراغ ريعه وصبّ محصوله في جيوب ترومب وخزائن دول الاستكبار العالمي ؟