مقالات

حمّة الهمّامي: سي الباجي مسلّم عليكم

صالح التيزاوي

يمكن القول بأنّ الإستنتاج الأبرز للنّدوة الصّحفيّة التي عقدها النّاطق الرّسمي (سابقا) للجبهة الشّعبيّة: “تمخّضت النّدوة فولدت نسخة رابعة من الجبهة الشّعبيّة”. ستظطرّ إلى تغيير جلدها ثمّ تدارك فقال ثوبها، من أجل أن تستمرّ حتّى في غياب حزب “الوطد” ورابطة اليسار العمّالي التي اختزل حمّة الهمّامي انسلاخها من الجبهة في شخص المنسّق العام، في محاولة للتخفيف من وقع التّصدّع الذي ضرب الجبهة ولإقناع الرّأي العام بأنّ أغلبيّة مكوّنات الجبهة مازالت معه، وأنّه الممثّل الحقيقي للجبهة الشّعبيّة وصاحب الحقّ في ملكيّتها. وأمّا باقي الإستنتاجات فيمكن إجمالها فيما يلي:

  1. المرّة الأولى منذ انتخابات 2011 يظهر حمّة ولا يكثر من ذكر النّهضة.. فقد جاء على ذكرها مرّة أو مرّتّين في معرض حديثه عن بعض أسباب الخلاف داخل الجبهة، منها الموقف من الإئتلاف الحاكم: هل الإختلاف مع الإئتلاف ككلّ أم الإختلاف مع حركة النّهضة فقط؟ عملا بمبدإ التّناقض الرّئيس والثّانوي…
  2. المرّة الأولى لا يذكر حمّة أن الجبهة مستعدّة للحكم.
  3. للمرة الأولى التي لا يتحدّث فيها عن الجهاز السّرّي وعلى من قتل شكري، مع أنّه احتفظ بصورة الشّهيدين (شكري بالعيد والبراهمي رحمهما اللّه) في الخلفيّة.
  4. ظلّ وفيّا لمبدإ الطّهرانيّة، فالحكومة فاشلة، وتنقيح القانون الإنتخابي إقصائيّ ومفصّل على مقاس الأحزاب الحاكمة ومواضيع الباك تحوّس في شبكات التّواصل، وحتّى من كانوا رفاقه في الجبهة، أقلّ التّهم التي وجّهها لهم، أنّهم غير ديمقراطيين.. وحده الرّفيق حمّة الأطهر، فهو صاحب السّجلّ النّاصع، وهو الرّفيق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكنّ الباطل، جاءه هذه المرّة من يساره. لم نسمع منه طوال النّدوة اعترافا بخطإ ما أو نقدا للذّات، وحتّى قطع الطّريق على المرزوقي فقد تبرّأ منه وقال بأنّه كان مع عدم التّصويت لأيّ من المترشّحين (الباجي والمرزوقي). لولا أنّ الأقلّيّة فرضت رأيها على الأغلبيّة.
  • فهم (المنشقّون والأقلّويّون) أصحاب قرار قطع الطّريق على المرزوقي. وللأمانة التّاريخيّة فإنّ أحمد الصّدّيق هو صاحب تلك المقولة التّاريخيّة التي صارت لاحقا عنوانا دالّا على الجبهة “قطّاع الطّريق”.
  • وهم أيضا (المنشقّون) الذين دعوا النّقابات الأمنيّة للتّمرّد على الدّولة بعد إقالة وزير الدّاخليّة لطفي براهم، وهي جريمة تمسّ بأمن الدّولة مسحها حمّة في المنشقّين..
  • وهم أيضا أقلّيّة لا تعترف بالدّيمقراطيّة وتريد فرض رأيها على الأغلبيّة(باقي مكوّنات الجبهة).
  • وهم الذين هرولوا إلى وثيقة قرطاج 2 تلبية لدعوة سي الباجي، فيما بدا أنّه ردّ على زياد لخضر الذي اتّهم حمّة الهمّامي بأنّه أوّل من بادر بالإقتراب من حركة نداء تونس، وأنّه أوّل من قابل الباجي من قيادات الجبهة، وأنّه خطب ذات يوم أمام أنصار الجبهة: “سي الباجي مسلّم عليكم”.
  • وانّهم استولوا على الجبهة عندما كوّنوا إئتلافا انتخابيّا موثّقا في البلديّة وأودعوه لدى هيئة الإنتخابات باسم الجبهة الشّعبيّة، يقتصر على حزب الوطد ورابطة اليسار العمّالي ويقصي سائر مكوّنات الجبهة.

كشفت النّدوة عن عمق الإختلافات داخل الجبهة والتي يمكن إرجاعها إلى أسباب رئيسيّة يرفض الشّقّان أن يعترفا بها:
1. غياب المراجعة الفكريّة الجادّة التي تتجاوز “الجلد” لتلامس جوهر الأيديولوجيا الماركسيّة التي أصبحت من الماضي ولم يعد التّمسّك الحرفي بتطبيقها في واقع مختلف عن منبتها وظروف نشأتها، يجدي نفعا، على نحو ما قام به اليسار من مراجعات في أروبا وفي أمريكا اللّاتينيّة، جعلت منه يسارا ديمقراطيّا ومناضلا، يناضل من داخل قلاع الرّأسماليّة، جنبا إلى جنب مع رجال الدّين لتحسين أوضاع العمّال والنّهوض بمجتمعاتهم بعيدا عن تلك المقولات المتعفّنة من قبيل أنّ الدّين أفيون الشّعوب، والتي مازال الرّفاق ينطلقون منها لتحديد أولويّاتهم وتناقضاتهم الرّئيسيّة والثّانويّة، وهي التي أملت عليهم ذات يوم استدعاء المنظومة القديمة لتقويض التّجربة الدّيمقراطيّة النّاشئة والعمل على استنساخ التّجربة الإنقلابيّة المصريّة في تونس.
2. أمّا السّبب الثّاني، فيرتبط بما يراه كلّ شقّ الطّريق الأسلم إلى إدراك السّلطة وتقويض “البنى التّقليديّة” للمجتمع التّونسي التي تشكّل خصائصه الرّوحيّة والثّقافيّة، حيث يرى أحد الشّقّين، أنّه لا سبيل لإدراك ذلك إلّا بالتّحالف مع المتظومة القديمة كائنا من يمثّلها كما كان الوضع على عهد التّجمّع، فيما يرى الشّقّ الآخر أنّه لا خيار لإدراك الأهداف الشّيوعيّة إلّأ من طريق العنف الثّوري، تثوير الشّارع أو تشريع الثّورة المستمرّة حتّى التّمكّن والتّمكين.
3. غياب الفكر الدّيمقراطي والممارسة الدّيمقراطيّة للحسم بطريقة ديمقراطيّة في المواضيع الخلافيّة، وهو مأخذ قديم على الشّيوعيّة عامّة، أنْها بلا أخلاق وأنْها لا تقيم وزنا للدّيمقراطيّة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock