تدوينات تونسية

بن سلمان والغرب: منْ خدع من ؟

صالح التيزاوي

لسائل أن يسأل: لماذا أبدى النّظام الرّسمي في الغرب انزعاجا من سلوك ابن سلمان بعد اغتيال الصّحفي السّعودي جمال خاشقجي؟ هل سبب ذلك بشاعة الجريمة؟ أم هل يحسّون حقّا أنّه خدعهم؟ وهل كان من اللّازم أن ينتظر العالم جريمة پحجم اغتيال جمال خاشقجي حتّى ترتفع الأصوات ضدّ انتهاكات ابن سلمان في السّعوديّة واليمن وكأنّهم يكتشفون للمرّة الأولى قسوة الأنظمة الشّموليّة ؟

بدايات غير مطمئنة
منذ صعوده إلى ولاية العهد أبدى ابن سلمان شراهة للإستبداد غي مسبوقة: لقد شنّ حربا همجيّة على اليمن، وشنّ حملة اعتقالات غيّبت علماء ودعاة ونشطاء وناشطات في مجال الحقوق والحرّيات، وحبس أمراء ورجال أعمال غيّبهم جميعا في السًجون، إمّا لإجبارهم على التّنازل عن جزء من ثرواتهم، أو لإجبارهم على مبايعته. ومن الغريب أن عواصم غربيًة استقبلته استقبال المصلحين وأعانته على التّرويج لنفسه كمصلح سياسي واجتماعي وحتًى ديني، قد يأتي بما لم يستطعه الأوائل. لم يكن ذلك الموقف من ابن سلمان عبثيّا بل كان موقفا مدروسا يضمن للعواصم الغربيّة تدفّق صفقات السّلاح ويجنّبها غضب شعوبها التي لم تستسغ فكرة أنّ ابن سلمان أو السّيسي أو ابن زايد يمكن أن يكونوا مصلحين. لقد أغمض الغرب وخاصًة “ترامب” عيونهم عن فظاعات قد يكون جمال دفع حياته ثمنا لكشفها ولفت أنظار العالم إليها.

تسطيح الإصلاح لا يغيّر من واقع الإستبداد. هل كان السّماح للمرأة السّعوديًة بقيادة السّيّارة إنجازا يلحق ابن سلمان بصفوف المصلحين؟ وأيً فضل له في ذلك؟ لقد سمح لها بقيادة السّيّارة ولكنّه غيّبها في السّجون لمّا طرقت أبواب الإصلاح الحقيقي والجوهري، لمّا طرقت أبواب الحقوق المدنيًة والسّياسيًة والإجتماعيًة. إنّ مجرًد الحديث عن قيادة المرأة للسّيّارة كإنجاز يعتبر أمرا معيبا لكونه تأخّر كثيرا عن المرأة السّعوديّة مقارنة بنظيراتها في العالم.

هل حقّا خدعهم؟
تدرك الأنظمة الغربيّة أكثر من غيرها أنً قصّة الإصلاح المزعوم التي أعلنها ابن سلمان كانت مجرًد وهم لأنّ الإصلاح الذي لا يلامس القضاء وحرّيّة التّعبير وممارسة الحقوق دون خوف من السًجن أو القتل هو محض تسطيح للإصلاح لكونه لا يغيّر من واقع الإستبداد. ورغم ذلك فقد أرخوا له الحبل تغليبا للصًفقات على حساب قيم لطالما اعتبرها الغرب جوهر الحداثة وأساس المدنيًة. وأمّا ابن سلمان فمن فرط عنجهيًته فهم الأمر على أنًه ضوء أخضر وأنًه تفويض يتيح له المزيد من الإنتهاكات. وربّما سوّلت له نفسه أنً الغرب أصبح جزءأ من مغامراته كما فعل هو بنظام السًيسي.

ماذا بعد الإنزعاج؟
ارتفعت الأصوات المندّدة بانتهاكات الأنظمة الشّموليّة للحقوق والحرّيّات بعد اغتيال جمال كما في الحالة السّعوديّة، وبعد إثارة البرلمان الأوروبي لمقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” كما في الحالة المصريّة.
فهل اكتشفت تلك الأصوات خطأ اعتقادها أنّ الأنظمة الأمنيّة هي الأقدر على المساعدة في الحرب على الإرهاب؟ وهل اكتشفت أنّ الرّهان على أنظمة تصرّ على قمع شعوبها كلفته باهظة، وأنّه لم يعد بمقدورها
الوقوف في وجه شعوب تبدي إصرارا أكبر على افتكاك حقوقها؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock