حبة أسبرين
حسن الصغير
في سبعينيات القرن الماضي كنا نحن أطفال الريف الفقراء والبسطاء لا نعرف الطبيب ولا يعرفنا فاذا مرض احدنا يكون عادة بسبب الزكام او ضربة الشمس وكنا لا نعتبر الاول مرضا ونقاومه بالمحمصة الجارية الحارة والنوم تحت غطاء ثقيل حد التعرق اما الثاني فكنا نقاومه بالشلاط وهي عملية احداث جروح صغيرة بشفرة الحلاقة على الجبين حتى ينزل الدم ثم ينام الشخص بعدها وفي كلتا الحالتين لا نعرف الطبيب ولا الدواء.
وصادف ذات مرة ان مرضت مرضا شديدا ولزمت الفراش ولم ينفع معي الشلاط وظلت حرارتي مرتفعة جدا رغم محاولات تخفيضها بقماش مبلل بالماء ومجت نفسي الاكل وصرت لا اقوى على الوقوف ويبدو ان الامر كان يتعلق باصابتي بالتهاب شديد في الحنجرة او اللوزتين حتى اني لا استطيع ابتلاع اي شيء.
تشاور الاهل والجيران العائدون وبحثوا المسالة من جميع جوانبها ولكن كل الحلول كانت صعبة.
فاخذي الى الطبيب يحتاج سيارة لنقلي للمدينة وهي غير متوفرة وكلفة النقل واجرة الطبيب وسعر الدواء ستكون مبلغا باهضا لا تحتكم عليه اسرتي وليس بامكانها اقتراضه.
وانتظار الطبيب حتى ياتي الى القرية في موعده الاسبوعي ايضا حل غير فعال فقد كنا يوم خميس والطبيب يزور مستوصف القرية كل يوم ثلاثاء ويفحص في ساعة او ساعتين عشرات المرضى ولا يمكن باي حال الانتظار اربعة ايام كاملة.
وبعد اخذ ورد قرروا ارسال اخي الى البلدة المجاورة ليشتري لي دواء وسمعت احد الكبار يذكر له اسم الدواء وهو اسبرين.
ذهب اخي الى البلدة وكان عليه قطع 5 كيلومترات راجلا للوصول الى الطريق ثم البحث عن وسيلة نقل تقله للبلدة لمسافة 10 كيلومترات تقريبا وتحتاج رحلته ذهابا وعودة لأربع او خمس ساعات على الاقل بقيت خلالها اتخيل هذا الدواء العجيب الذي يسمى اسبرين فتخيلته مثل الكسرة يؤكل قضمة قضمة او مثل المحمصة او فاكهة التين الشوكي وفي الاخير لم استقر على شكل معين لهذا الاسبرين العجيب.
وقبل ان يرخي الليل سدوله على القرية عاد اخي يحمل لفافة ورق فيها شريط بلاستيكي به 12 قرصا صغيرا أبيض مثل حبات الحلوى وقال ان الصيدلي اوصاه بان اخذ حبة كل 6 ساعات وستنخفض الحرارة.
لا أخفيكم ان املي خاب بعد رؤية الدواء فلا هو كسرة ولا تمر ولا تين ولا مثل اي شيء من الاشياء التي ناكلها او نشربها.
اعطوني حبة اسبرين وطلبوا مني ان ابتلعها مباشرة دون مضغ مستعين بالماء ورغم ان العملية كانت صعبة فقد نجحت في ابتلاعها لكني بقيت فترة طويلة اشعر وكانها في حلقي ولم تنزل الى المعدة.
ولا اذكر ما حدث بعد ذلك لكني أفقت في الصباح وقد نزلت حرارتي وبدات اشعر بتحسن ومن الله علي بالشفاء.
وبصراحة لا ادري ان كان ذلك راجع لحبة الاسبرين ام ان احتقان الحنجرة قد بلغ مداه ثم بدأ يتراجع امام مقاومة الجسم المهم اني صرت اذكر هذه الواقعة كلما رايت حبة اسبرين!!!