الثلاثاء 24 يونيو 2025
زهير إسماعيل
زهير إسماعيل

وقفت الزنقة بالهارب…

زهير إسماعيل
من مظاهر الأزمة أن تتوقّف “الحياة السياسيّة” عند التحوير الوزاري. ويأتي هذا التحوير شاهدا على ثلاثة أمور أساسيّة:
• نهاية “منظومة التوافق” التي قامت في الأصل على “تسوية سياسيّة” لمعركة لم تحسمها انتخابات 2014، ولئن جنّبتنا هذه التسوية احترابا أهليّا دمويّا فإنّها أورثت وضعا سياسيّا تطوّر إلى أزمة حكم وأزمة ماليّة اقتصاديّة تهدّد استمرار الدولة وأسس المنظومة الديمقراطيّة.
نتيجة هذه النهاية، وأيّا كانت نتائج الانتخابات البلديّة، هو بناء تحالف واسع مضاد للنهضة هدفه المسك بزمام الأمور مع انتخابات بعد انتخابات 2019. وهذا ممكن لأنّه لا تتوفّر، إلى حدّ االآن، شروط انتخابات حرّة وديمقراطيّة. و يمكن لسيناريو 2014 أن يعاد وبأكثر بشاعة.
• انهيار فكرة “حكومة الوحدة الوطنيّة”، وهي التجربة التي ولدت في قصر قرطاج ميّتة ولم يكن “أتفاق قرطاج” إلا شهادة على هذه الوفاة. وكما كان لرئيس الجمهوريّة الحالي فضل في كسر مسار التأسيس بالدعوة إلى حلّ المجلس الوطني التأسيسي واستنساخ النموذج المصري، كان له الفضل في قتل فكرة “حكومة الوحدة الوطنيّة” من خلال حكومة لم تكن “حكومة وحدة”، كانت شتاتا حزبيّا وفئويّا، ولم تكن “وطنيّة” وقد أمضى رئيسها خفية على ما قرّره صندوق النقد الدولي. وكان من الممكن توقيع اتفاق مع الصندوق، ولكن بما تيسّر من “الشروط الوطنيّة” رغم الأزمة الماليّة والاقتصادية. وهي أزمة عميقة الجذور في السياسات الاقتصادية ومنوال التنمية ولكنّ القديم العائد عمّقها وأوصلها إلى طريق اللاعودة.
حكومة الوحدة الوطنيّة فكرة كنّا نحتاجها، في تلك المرحلة الدقيقة، ولكنّ رئيس الجمهوريّة بسياسته الفئويّة الإقصائيّة فشل في أن يكون رئيسا لكلّّ التونسيين فتشوّهت الفكرة وكانت سببا في ضاعف بها التوتّر والاستقطاب. وها إنّنا نرى حصاد هذا السياسة.
• عجز القديم العائد عن التجدّد، وأنّ عودته مع انتخابات 2014 ستكون الأخيرة إذا قامت انتخابات ديمقراطيّة حرة شفافة ونزيهة. والمنظومة القديمة صارت منظومات، وأرادوا أن يكون لها عنوانا سياسيّا، فتعذّر ذلك، فتقاتلت لوبياتها وصارت اليوم منظومات: منظومة التوافق (السبسي /الغنوشي)، نواة السيستام (لطيّف)، مجموعة الشاهد… واتحاد الشغل.
الحقيقة الوحيدة، في مواجهة هذه “الأزمة السياسيّة” هو الوعي المواطني الاجتماعي المتمفصل مع الاحتجاج الاجتماعي في المجالين السياسي (المركز) والاجتماعي (الداخل)، وتعبيراته التي ستشهد مع بداية السنة السياسيّة تصاعدا كما ونوعا، لأنّ الانقسام الذي ولّد الانتفاض المواطني الاجتماعي ذات 17 ديسمبر مازال هنا مع ما تراكم من وعي وخبرة سيجعلان من الاحتجاج تيّار نضال اجتماعيا حقيقيا… وهو ما تفتقده البلاد رغم العناوين التي لم تغادر في معظمها لحظتها “الديمقراطيّة الاجتماعيّة”، وهي لحظة تنتمي في تقديرنا إلى ما قبل الثورة، لحظة المعارضة السياسيّة (المطالبة) التي لم تستطع أن تتحوّل بعد الثورة إلى “معارضة اجتماعيّة” (على الأقل). وهي لحظة اختلفت عن منوال “المقاومة السياسيّة” (المغالبة) قبل الثورة، والتي تجد اليوم صعوبات في أن تتحوّل إلى “مقاومة اجتماعيّة”… وهي ما عنيناه بتيّار النضال الاجتماعي الذي سيكون مرجع “أحزاب” المواطنة الاجتماعيّة والحكم المحلّي، أحزاب المستقبل (حراك تونس الإرادة تجربة مهمة توتّرت بين اللحظة الديمقراطيّة الاجتماعية، والتعبير السياسي الفذّ عن الحراك الاجتماعي المتنامي).
سنعرف أشدّ الأزمات الأجتماعيّة احتدادا في سنتنا السياسيّة الجديدة، وسيبقى رهان الحرية هو الرهان الأول والأخير. فهذا الشرط سيكون حاسما في انتصار المعاني الإيجابيّة في الحياة لذلك أدرك الناس أنّه لا تفريط في هذا الشرط مهما بلغ الحال من تدهور… فالحريّة (بحدّيْها الموجب والسالب) كما تنتج أزماتها تنتج حلولها… (بعض الحتميّات؟ لابأس…).
نموت في سبيل الحريّة حتّى لا نُذبَح في غيابها…


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

زهير إسماعيل

ثأر من الثورة والمقاومة *

زهير إسماعيل احتلّت قيمة الحريّة المركز في أدبيّات حركة التحرّر الوطني الفلسطيني، وارتبطت بتحرير الأرض …

زهير إسماعيل

المقاومة المنتصرة بلا غطاء

زهير إسماعيل المقاومة المنتصرة ميدانيا بلا غطاء سياسي عربي وإقليمي انكسارات متتالية لجيش الكيان في …

اترك تعليق