مقالات

عندما تنتصر كوبا لفلسطين التي يخونها أهلها وخاصتها: امتحان يومي لضمير العرب والعالم

لطفي الراجحي

تناقلت الصحف العبرية بفخر نبا نجاح نشاط دبلوماسييها في الخارج بعد التوصّل لاتفاقٍ مع مندوب دولةٍ عربيّةٍ في منظمة اليونيسكو -لم يتم ذكرها بالاسم- وذلك بالتصويت ضدّ مشروع الاقتراح الذي تقدّم به المندوب الفلسطيني للاعتراف بالخليل موقعًا أثريًا فلسطينيًا بما في ذلك الحرم الإبراهيميّ لحفظها من سياسة الاستيطان الإسرائيليّ وفعلاً أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) البلدة القديمة في الخليل “منطقة محمية” بصفتها موقعًا “يتمتع بقيمة عالمية استثنائية” وذلك في أعقاب تصويتٍ سريٍّ أثار جدلاً فلسطينيًا إسرائيليًا جديدًا في المنظمة الدولية. وأدانت إسرائيل قرار اليونسكو بعدما منعت فريقا تابعا لها من القيام بجولة ميدانية في الخليل قبيل هذا التصويت. ربما خسرت “إسرائيل” جولة في صراعها الأبدي مع العرب لكن ما كان يعزيها هو كونها ربحت إلى صفها موقفا رسميا عربيا سعى من خلاله المندوب العربي إلى إسقاط القرار التزاما بموقف بلده المطبع حد النخاع مع العدو.

لقد أيّدت القرار 12 دولة عضو في لجنة التراث العالميّ مقابل 3 دول رفضت القرار وست دول امتنعت عن التصويت فقد نشرت الصحيفة صورةً من الهاتف المحمول للسفير الإسرائيليّ وقد تلقّى رسالةٍ من المندوب العربيّ يعتذر فيها عن التصويت ضدّ إسرائيل بسبب الظروف الذي ذُكرت آنفًا. وردّ عليه السفير الصهيوني برسالة نصيّةٍ قال له فيها: “لا تهتّم بالنسبة لنا نعتبر أنّك صوّت لجانبنا”. وكانت مندوبة كوبا في المنظمة السيدة دولتشي ماريا رودريغيز قد تصدّت لموقف المندوب الإسرائيلي في (اليونسكو) إثر مطالبته بأنْ يقف مندوبو الدول دقيقة صمت على الضحايا اليهود الذين سقطوا في “الهولوكست”، حيث رفضت بكل جرأة وشجاعةٍ طلب المندوب الإسرائيلي قائلةً: “إنّ الوحيد المخول بطلب الوقوف دقيقة صمت هو رئيس الجلسة وليس المندوبين”. وردًا على طلب ممثل إسرائيل طلبت ممثلة كوبا أيضًا الوقوف دقيقة صمت تضامنًا مع الضحايا الفلسطينيين وهاجمت الاحتلال الإسرائيليّ وما يقوم به تجاه الشعب الفلسطيني الأمر الذي قوبل بتصفيق حار ووقوف المندوبين وقالت مندوبة كوبا إنّ إسرائيل عن طريق طلب سفيرها الوقوف دقيقة حداد على ضحايا “الهولوكوست” هو محاولة إسرائيليّة للتحكّم والتلاعب بالقرار الذي ستتخذّه المنظمة وتوظيف خبيث للتأويلات التاريخية لكي تقوم بنشرها لاحقًا في وسائل الإعلام وتزعم أنّ اليونيسكو تتخّذ قرارات ضدّ الشعب الإسرائيليّ وضدّ الديانة اليهوديّة وعذابات الشعب اليهودي. وتابعت قائلةً: ” أنا أرفض هذا التصرّف فنحن لسنا في سيركٍ سياسيٍّ نحن هنا المسؤولون عن القرارات التي تُتخّذ وهذا النوع من المداخلات التي قدّمها ممثل الكيان الصهيونيّ شاهدناه في الماضي ككومةٍ من القمامة التي تحمل تاريخًا مزورًا ومكتوبًا بطريقةٍ غيرُ لائقةٍ”. وخلُصت إلى القول: ” مع كلّ احترامي فأنا أطلب من السيّد الرئيس أنْ يمنحنا دقيقة للوقوف حدادًا على الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا في السنوات الماضية”. جديرُ بالذكر أنّه عندما انتهت من كلامها انفجرت بالبكاء ووافق رئيس الجلسة على منح الأعضاء دقيقة صمت على أرواح الشهداء الفلسطينيين.

هذه هي اغرب الحقائق وأسوأ الأسرار التاريخية هي تلك التي يُعلن عنها بعد اختفاء أصحابها غداة ارتكاب المؤامرة و تسلط الأضواء على الأدوار الخسيسة التي يلعبها كثير من الساسة و”الزعماء” العرب في مؤازرتهم في السر والعلن ودعمهم المطلق لقيام الكيان الصهيوني على الأرض العربية وتكشف تهافتهم العجيب على خدمة المخططات الصهيونية ومساعيهم الحثيثة نحو توفير القواعد الصلبة للكيان الصهيوني إلى المستوى الذي تباهى به إعلام العدو لأنه كما ردد زعماء بني صهيون و يحق لهم ذلك “أن “إسرائيل” لم تحقق انتصاراتها في المنطقة لولا تضامن زعماء العرب معها”.

لم تعد سراً تلك العلاقات المريبة لكن الغريب في الأمر إن الصهيوني الذي اعتاد على ممارسة الخنوع والذل وكان يتصنع التملق ويجيده ويميل بفطرته إلى ممارسة الغدر والخيانة ويتقن التآمر والاحتيال هو الذي تحول بفضل “الزعماء العرب” من تمثيله المتقن لدور “الضحية” إلى لعب الأدوار الرئيسة في البطش والإجرام حتى صار يتلذذ بممارسة دور الجلاد دون أدنى رحمة.

كان “الزعماء العرب” أول من أقبل على تسويق بضاعة التطبيع الجاهزة في سوق الهزيمة الأخلاقية والحضارية التي كرست حالة التشرذم العربي وحولته إسرائيل واقعا وختمته مع أمريكا بأختام “السلام”: سلام المنتصرين فاستفادت كثيرا من التخاذل العربي والتأمر الذي تحول تنازلات عربية سخية من دون أن يتحرك العدو خطوة واحدة باتجاه تنفيذ الكم الهائل من وعوده الكاذبة والتي أقرتها القوانين والأعراف الدولية منذ نشأة هذا الكيان.

إن إثارة هذه الحادثة يذكرني بالحديث عن الخيانات المريرة التي طالت تاريخ هذه الأمة فهو حديث مملوء بالأسى والحزن لأن من خانوا هم من بنى جلدتنا ويتكلمون بلساننا ولأن خيانتهم اضاعت فلسطين كما اضاعت العراق وسوريا وسفكت دماء بريئة وشردت وهدرت مقدرات لا تحصى لأن بعض الخونة لا يستحيون بل ولهم أظافر طويلة تسعى لتمزيق وتشويه من يشير لهم من قبل أن تفضحهم افعالهم وكما قالت أحلام مستغانمي: “لا أعرف أمةً غير “العرب” تكفلت بتحقيق أمنيات أعدائها وخاضت الحروب نيابة عنهم”. وعادة ما كان الخونة يختفون بمجرد اكتشاف أمرهم ويهربون بحثاً عن ملجأ امن أما الآن فهم يتبجحون بل ويناظرون ويواجهون كل من فضحهم. ولكن هيهات فمهما تجملوا وتعطروا واستخفوا فهم معروفين لأن الخيانة لها رائحة نتنه لا تخفى كما لايخفى ضوء الشمس الأعلى ذي رمد.

دولتشي ماريا رودريغيز مندوبة كوبا في (اليونسكو)

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock