“لمة” على قناة نسمة، ظاهرها انزعاج من تحركات سفير فرنسا، وجوهرها استهداف النهضة
مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، يثبت فيها الإعلام التونسي بما لا يدع مجالا للشك، أنه لم يبرأ من علله، وليس من المتوقع أن يشفى من انحيازه الحزبي والأيديولوجي، وارتهانه لسلطة رأس المال.
“اللمة”، بدأت بإظهار انزعاجها من تصرفات بعض السفراء التي تخرج عن دائرة الأعراف الديبلوماسية، وترتقي إلى سلوكيات “المقيم العام” و”المندوب السامي” زمن الحقب الإستعمارية. استبشرت خيرا بعودة الوعي والضمير إلى إعلامنا، لكن فرحتي به لم تدم طويلا، إذ سرعان ما انبعث صوت من عمق اللمة، ليتساءل في مكر: هل من المعقول أن يظهر السفير الفرنسي مع الوزير “عماد الحمامي” في موكب تدشين؟ وهل من المقبول أن يكتب اسم السفير على رخامة التدشين؟ وعلق آخر في صراحة شديدة: ألم تبن النهضة حملتها الإنتخابية على معاداة “الفرنكفونية” ؟ (مع أني متابع جيد لما يحدث في وطني لا أذكر أن مثل الذي قال قد حدث) مما يعني أن المشكل (عند الجماعة)، ليس في الظهور المفرط للسفير الفرنسي في الحياة العامة، من ناحية مبدئية، ولكن المشكل في ظهوره، مع وزير نهضاوي، أفقت من دهشة الفرحة بـ”انصلاح” حال إعلامنا، على دهشة أشد وانكى: دهشة التوظيف السياسي والإعلامي للأحداث ترذيلا وتشنيعا للخصوم بدافع من ولاءات حزبية وأيديولوجية.
وادركت بيت القصيد في اللمة كلها، ومربط الفرس فيها ليس المقصود إدانة تصرفات بعض السفراء التي تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية وإنما البحث عما يدين حركة النهضة، تحولت “اللمة” بقدرة إعلاميينا الأفذاذ من غيرة مزعومة على السيادة الوطنية إلى حملة انتخابية مبكرة تخدم أحزابا وتشوه أخرى. هل بهذا الإعلام غير المحايد وغير النزيه يمكن أن تنهض تونس؟ وهل بهذا الإعلام نؤسس لوعي جماهيري؟
ذكرتني “اللمة” على قناة نسمة بما كتبه قلم من زمن الوقاحة النوفمبرية على أعمدة جريدته “الصريحة في اعوجاجها”:
“كلما أشاهد بعض الوجوه (يقصد الوجوه الثورية)، ألعن جد وا… لدين الديمقراطية”، وكانه قبل الثورة كان يموت عشقا في الديمقراطية أو يهيم بها شوقا… لهذا الصحفي الذي كتب ذات يوم في انحناءة هاربة من زمن العبودية الأولى، “لماذا نحبه”؟ (يقصد بن علي) نقول له ولأمثاله:
لا يجتمع الولاء للإستبداد والإيمان بالديمقراطية في قلم واحد، ومن كان “ذيله من قش”، لا ينبغي له أن يتحرش بالنار.