تدوينات عربية

أسفاري واللغات الحية (10)

أحمد القاري
أخذت جواز سفري من مكتب الخدمات السياحية وتوجهت إلى (لو وو) وهي إحدى المعابر الحدودية بين هونغ كونغ وشين جين. والحدود هي نهر شين جين. ويلاحظ وجود سياج لحمايتها من المتسللين.
مبنى الحدود في جانب هونغ كونغ بناية كبيرة تتضمن الكثير من المحلات التجارية. الحركة دائبة والعابرون يصنفون أنفسهم تبعا لعلامات التشوير البارزة إلى أصناف (المقيمون في هونغ كونغ) و(الزوار من البر الصيني) و(الزوار الآخرون). أنا من (الآخرين) لذلك دخلت معهم وأخذت دوري لختم الجواز.
يأخذ شرطي الجوازات الهونغ كونغي نسخة النموذج الكربونية التي تم تعبئة أصلها عند الدخول ويختم الجواز.
لاحظت أن شرطة الحدود في هونغ كونغ والصين يعملون مثل آلات. عندهم حركات محددة ولا يدخلون أبدا في دردشات زائدة مع الزوار. ربما يطلبون استجوابا إضافيا في مكتب آخر، ولكنه يتم بطريقة احترافية أيضا. ولا مجال أبدا لإكرام الشرطي بأي شيء. واضع أنهم مدربون جيدا وتحت رقابة صارمة وأن طريقة العمل محددة وليست اجتهادية مفتوحة.
بعد شرطة حدود هونغ كونغ يتم العبور إلى الجانب الصيني، وكل ذلك صيني، ولكنها مصطلحات للتوضيح، ولا مشاحة في الإصطلاح.
هذه المرة توضح العلامات أن على العابرين أن يتقسموا إلى (مقيمون في هونغ كونغ ومكاو) و(مقيمون في تايوان) و(مواطنون صينيون) و(أجانب).
يتم تعبئة نموذج بمعلومات الزائر ويتم ختم الجواز بسرعة لا تؤثر فيها إلا درجة الازدحام وطول صفوف الناس أمام نوافذ شرطة الحدود.
يتم العبور بالجمارك الصينية ثم الخروج إلى حي (لو هو).
أهم ما فاجأني هو أن الصورة التي كانت عندي حول المنطقة التجارية الحرة أو (المنطقة الاقتصادية الخاصة) مختلفة تماما عن نموذج جبل علي في الإمارات.
كانت (شين جين) حتى 1978 مدينة صغيرة يعيش سكانها (30.000) على الصيد وعلى الاستفادة من هونغ كونغ المجاورة وعلى أمل الهجرة إليها. ثم قررت الصين إنشاء منطقة اقتصادية حرة تستفيد من هونغ كونغ ومن فرص الصين.
لنجاح المنطقة تم فصل اقتصادها وميزانيتها عن الميزانية العامة للصين. وتم منحها حق وضع قوانين خاصة بها. ووضعت تحفيزات قوية لجذب المستثمرين من كل العالم وخاصة من هونغ كونغ نفسها.
حققت المنطقة نموا هائلا وتحولت (شين جين) إلى مدينة كبيرة يصل عدد سكانها حاليا إلى 18 مليون ويقال إن اقتصادها يشكل 1 في المائة من اقتصاد العالم. وحجم ناتجها الخام يزيد على الناتج الخام لدولة البرتغال.
تخصصت (شين جين) في صناعة المعلوميات والمالية ووفرت لذلك بنية تحتية جعلتها لسنوات أكثر مدينة في انتشار أجهزة الكمبيوتر عالميا.
كنت وقت وصولي لأول مرة للمدينة سنة 2005 في المكان المناسب لإنجاز مشتريات في مجال المعدات المعلوماتية فالمدينة مركز إنتاج هذه المعدات وتتوفر على واحد من أكبر أسواق العالم لها.
وكل ذلك باللغة الصينية. كان واضحا جدا أنه لا مجال لإنجاز مشتريات هنا بدون معرفة اللغة الصينية أو الاستعانة بخدمات مترجم. لم يكن يحسن الإنجليزية إلا بعض الباعة في الشركات الكبيرة والمتوسطة أو أشخاص يعملون في مكاتب الوساطة التجارية. وكان ضروريا العمل معهم للتفاهم مع أرباب عمل تعتبر الصينية عندهم هي (اللغة) وما سواها (لغات).
كانت فرصة للتأمل في دور اللغات الأجنبية في تحقيق النمو. أكيد لو كان الأمر يتوقف على اللغات الأجنبية لكان المغرب أو الفلبين أكثر انتاجية وقوة اقتصاد بكثير من جمهورية الصين الشعبية.
#لغات_حية 10
الصينية في الصين هي “اللغة”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock