لأنّه مَا مِنْ عِقابٍ يُمْكِنُ أن يُسكِّن آلامَ ابْنٍ يعْلَم أنّ أباهُ قُتِل تحْت التّعْذيب وفَقََدَ بِذلِك حُضْنَه الدَّفِيءَ، ولأنّه مَا مِنْ عِقابٍ يمكِنُ أن يُزِيلَ منْ ذاكِرَة امْرَأة صُورَةََ الجلّادِ يقْْتَحِم عليْها طُهْرَها وعِفََتها ليغْتصِبَها أمام زوْجها أو ابْنِها فَتحْمِلُ منه، ولأنّه ما منْ عقابٍ يُمْكِنُ أن يُشْفيَ غَلِيلَ أمٍّ سُلِبَتْ ابْنَها ليْلةَ زفافِه وهو يجَالِسُ عَروسَه ليعودَ اليْها جُثََةً هَامِدَةً فتوَارِيه التُُراب…
منَ الأكيدِ انََه ليْسَ هناك عقابُ يُعِيد الحياة للموْتى أوْ يغْسِل جُرْمًا تخِرُُ له الجِبال… ولأنّ العِقاب قد يُوقِعُ المُعَاقِبَ فِي حالة هسْتيريّة فتتُوق نفْسُه الى تجاوُزِ الفِعْلِ الرََاقي الذي يميِّزه عن سُلوكِ الجَلََادِ وتتعَطََشَ نفْسُه الى رؤيةِ دمِ الظّالِمِ يسِيلُ أو تشْهدَ فصْلَ رأسِهِ أو امْطَارَ صدْرِه رَصَاصًا سَاخِنًا… وفي هذه الحَالةِ يلْتقي الظّالِمُ بالمظْلوم ارادَةً وفِعْلًا ويَتسَاوَيانِ في حالَة الغَيْضِ والاسْتِمْتاعِ بالتََشَفِّي والانْتِقام…
ولذلِك كان العفْوُ نقْطَةً فاصِلَةً بيْن التوحُّشِ والتََرَقِّي، بيْنَ التدنّي والرِّفْعة، بيْن انْسَانيََة الأقْوِياء وحيَوانيََة الضُُعَفاء، وسيَضلُُ العَفْوُ شُعورًا يورِثُ وَاهِبَهُ الطُّمأنِينة والسََكِينَةَ والرِّفْعَة ويُغْرِقُ الظََالِمَ احْسَاسًا بِخِسََة النََفْسِ واحْتِقارِها وبِنَدمٍ يُمَزِّقُه ليْلَ نهار. لِذلِك كانَ العفْوُ أبْلَغَ وقْعًا على نفْسِ الظََالِم وأكْثَرَ جدْوى فِي تطْهِيرِها منْ أدْرَانِ الوحْشيََة والسََفالَة والظُُلْمِ واكْسَائِها بصِفاتِ البشرِيََة السُُمُوِّ والعَدْلِ… لِأنََ العفوَ أعْلى مرَاتِبِ العِقاب.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.