تدوينات تونسية

7 نوفمبر.. ظلام لم تمحه إلا ثورة.. يوم لا أعاده الله

نور الدين العويديدي
في مثل هذا اليوم قبل 27 عاما كانت تونس كئيبة غاضبة.. مرجلا يغلي.. وكنت ضمن عشرات الشباب الجامعي مجندا في رجيم معتوق، بعد نحو أربعين يوما من الإيقاف في معتقل بوشوشة..
كان اليوم سبت فيما أذكر.. كان الطقس باردا في يوم شتوي في صحراء قاحلة، يجاهد ثلة من الشباب المعاقبين المحرومين منذ أشهر من رؤية أهاليهم لتخضيرها.. يصارعون زحف الرمال بتشجير أرض صماء قاسية.. نحفرها فتحفر في أيدينا أخاديد موجعة.
بلغنا نبأ الانقلاب الأبيض صباحا.. فرحنا.. طرنا فرحا.. غلب فرحنا برد الصحراء.. تمردنا على القوانين العسكرية.. صرنا نجري ونغني في أطراف الثكنة العسكرية فرحا كأننا عصافير حالمة، متجاهلين كل شيء وكل أحد.. اخضرت قلوبنا فرحا.. لكننا في فرحنا الحلو الساذج لم نكن نعلم أن الصحراء وبردها الموجع سترافقنا لمدة 23 عاما سوداء كالحة.
ظننا أننا ظفرنا بالحرية.. كنا مختنقين بحكم العجوز المستبد الذي تمسك بالكرسي حتى صار جزء منه.. كنا نهتف ساخرين: 30 عام في الكفاح نزلوه (من الحكم) خلي يرتاح.. كان قد شاخ وخرف وبات عاجزا عن حماية نفسه من مخلفاته، واستبدت من حوله الحاشية وتلاعبت به كأنه خرقة قديمة.. مجرد لافتة فيها بعض بريق قديم تخفي خلفها عفنا كثيرا..
نعم هو.. ذلك العجوز الذي يستعاد اليوم كقديس، ويقف المشعوذون الكذابون على قبره، يستمدون منه بعض قوة لا يملكها، كان في زماننا غما وهما ثقيلا.. كابوسا.. بعض بقايا رجل.. ونظام فاسد شاخ واستشرى فساده وخنق الناس حتى حلموا ببديل عنه ولو كان جهنم.
وجاءت جهنم في مثل هذا اليوم تسعى.. وكنا غافلين عنها كأطفال.. مسحورين ببريقها.. مشدوهين لدق طبولها.. أكلتنا النار.. أحرقت بلادنا وأكلت قلوبنا وأعمارنا وأفسدت كل شيء جميل أفلت من عبث العجوز.
طال الشتاء وتهنا في صقيع قاتل حتى جاءت نسمة عليلة دافئة تفجرت فينا منا، أنقذتنا من أنفسنا ومما ران على قلوبنا وبلادنا من أدران.. أسميناها ثورة.. لكن الصقيع يسعى من جديد لقتلها.. وتأتينا جهنم متنكرة تريد أن تسحرنا مجددا بمعسول الكلام..
كان يوما للفرح الحزين.. فرحنا فيه بإزاحة غمة فجاءنا الطوفان.. كان يوما وأي يوم.. يوم لا أعاده الله.
__________
كتب هذا النص يوم 7 نوفمبر 2014

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock