تدوينات تونسية

حمدتُ اللهَ، أنّه لم يَأْتِ ؟

عبد القادر عبار

عندما تصوّرته حاضرًا، ومشاركا في إحدى بلاتووات فضائياتنا، في برنامج حواري حول قضية مقدسة، أو مستجدات وطنية ودولية حساسة، وحوله بعض غِلمان الفكر، وصبيان الثقافة، وأدعياء الوطنية، وسفهاء الرأي، وهم يلمزون أنفسهم، ويتنابزون بالألقاب، ويتغامزون، ويتطاولون على الرموز والشرفاء، حمدتُ الله، أنه قبِل نصيحتي، ولم يَأْتِ !

قبل انتخابات 2014 بأسبوعين تقريبا، سألني صديقي الشاعر الفلسطيني محمود مفلح (الذي كانت تربطني به علاقة أخوية دينية وأدبية منذ 1986، فكِلانا كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكلانا يكتب وينشر في مجلة الأمّة القطريّة، ومجلة المجتمع الكويتية ومجلة المشكاة المغربية).. له عدة دواوين من الشعر المقاوم الملتزم (مثل ديوان الرّايَة، وصوت المآذن. وحكاية الشال الفلسطيني..)، سألني إن كان ممكنا أن يأتي إلى تونس “أم الربيع العربي” ليستقرّ بها، وقد تقاعد من عمله كمتفقد لغة عربية في نجران بالسعودية، ويقوم بنشر دواوينه والتعريف بشعره، ويساهم في التعريف من خلال حراك شعري، بالهمّ الفلسطيني ،لأنه كما تصوّر، المناخ مناسب بعد الثورة، والطقس السياسي مشجّع، والحريات متوفرة، وتونس مشهود لها بالدعم الصادق للقضية.

صارحتُه ناصِحًا بعدم المجيء، رغم إحساسي بالحرج في ذلك، ووضّحتُ له بأن تكهّنات الأحوال الجويّة للسياسة بعد الانتخابات تبدو متقلبة وغير مستقرّة، وتنذر بغيوم و زوابع حزبيّة وإيديولوجيّة، وأن النتائج تُضْمِرُ ما لا يسرّ ولا يقرّ عين الصديق.

تفاجأ بما أخبرته، واعتبر ذلك تشاؤما مبالغا فيه ربّما، ولكن بما أنّ أخذ الحذر والحيطة واجب، وأهل مكة أدرى بشعابها، فقد كتَمَ رغبته، وتراجع عن قراره، وشكرني على النصيحة وهو يكتم حسرة، لظنّه بأن الثورة قد كنست، ونظفت، وعبّدت، وغيّرت.. ولكن ليس من رأى كم سمع يا صديقي.

فالحمد لله أنه لم يأت، وإلا لرأى بأمّ عينيه، ما يقزّزه، وما ينفّره، وما يبغّضه في أمّ الربيع العربي !!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock