تدوينات تونسية

التّصفيقُ للوزير، والـ “bravo” لِلسِّكّير !!

عبد القادر عبار 
كان رمزًا فريدًا، وشاذًّا من رموز المدينة، ومُعارضًا على طريقته الخاصة، مات منذ عشرين سنة تقريبًا.. نسأل الله أن يرحمه.
كان يختار مدخل مقرّ الحزب بالمدينة، لإلقاء خطبه، تراهُ يرتقي درجاته، ويجعل الباب خلفه والشارع أمامه، ويظلّ يخطب بأعلى صوته، خطبة السّبّ والشتم والسخريّة، المشهورة عنه، يبدأها برأس الهرم السياسي الوطني، “تقطيعًا و ترييشًا” كما يُقال، إلى أخر عمدة، ثم إلى آخر نائب رئيس شعبة.. ولا أحد يجرأ على إسكاته، أو زحزحته، أو طرده، أو حتى الردّ عليه، لان الكل يعرف أنه “مُدْمِن كحول، alcoolique” وبالتالي فهو لا يسيطر على ما يقول، ولا يعي ما يفعل، فهو “مرفوع عليه القلم”. – حسب المسئول المحلّي-.، وكان بخطبه تلك، يُنفّس عن المكبوتين سياسيًّا، ويرون فيه زعيما روحيّا، مؤقتا على الأقل، يتكلم باسمهم.
ومن أعجب بطولاته وصولاته، التي ورّطت المسئول المحلّي.. يوم جاء وزيرٌ من الوزراء، وكان اجتماعا عاما، والقاعة الكبيرة قد فاضت بالحاضرين والحاضرات، لم يبق فيها كرسي فارغا، وفي وسط كلمته، أخذ الوزير نفَسًا ليشرب من كأس ماء.. فجأة هَدَرَ صوتٌ وانْحَدَرَ، مُزمْجرًا من آخر القاعة وإذا به “هُوَ”.. لا يدري أحد كيف تسلّل إلى القاعة، ولا من سمح له بالدخول، وكيف لم يتفطن إليه المشرفون المحليّون، زمجر وصاح “يِزّي مِ الكذب.. فِقْنا بيكُم.. اتفُوهْ”.. مع زَخَّةٍ من السّبّ والشتم.
جحظت العيون، من هول المفاجأة، وقَفَّ شعرُ الوزير، وهو يرمق المسئولَ المحلّي بنظرة خطيرة فيها توبيخ مُبَطّن وتهديد بالعقاب والعزل، وأسرع الأمْن لأخذه وتلقينه الدرس المناسب.. لكن المسئول المحلّي، المُحنّك، تبسّم ابتسامة مُرّة، وطمأن الوزير وهو مرتبك قائلا “..عفوا سيدي الوزير، واصل، لا تهتم، هذا مهبول المدينة، alcoolique، ماتاخذش عليه.. سيدي..”. وأراد أن يغطّي على الفضيحة، فصفّق تصفيقة طويلة وصفّق الرِّعاعُ، ثم صفق الحاضرون، حتى تبسّم الوزير ..وانزاحت الغُمّة عن المسئول المحلّي !
ولكن، لا أحد يدري، أكان التصفيق للوزير؟، آم هي “bravo” للسّكّير ؟؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock