تدوينات تونسية

حكّام يحكمون من “المهد إلى اللّحد”

صالح التيزاوي
عيد بأيّة حال عدت يا عيد ؟
سؤال يكرّر المسلمون طرحه على أنفسهم منذ أعوام عديدة، قد تكون قاربت القرن أو هي زادت عليه. كلّما خرجوا من محنة داهمتهم أخرى أشدّ وأنكى من سابقتها. رحل الإستعمار المباشر فقال أسلافنا: ها قد جاء الخلاص. ولكنّ الدولة الوطنيّة لم تكن أرحم بشعوبها من دولة الإحتلال. لا نستثني دولة عربيّة واحدة: حكم شمولي مطلق تغييب كامل لقيم المواطنة والحرّية، حكّام يحكمون من “المهد إلى اللّحد”.
استوت في ذلك الأنظمة الرّئاسيّة والأنظمة الملكيّة، الأنظمة اللّيبراليّة والأنظمة المحسوبة على الإشتراكيّة، الأنظمة المحافظة والأنظمة “الثّوريّة”. جميعها جارت على حقوق شعوبها وانتهكت كرامتها حتّى غدا الإستبداد “خصوصيّة عربيّة”. وكان حجم القهر من جهة الحكّام، وارتفاع وتيرة النّضال ضدّ الإستبداد من جهة المعارضين وأصحاب الرّاي وضحايا التّهميش، ينبئ بثورة قادمة. ظهرت إرهاصاتها في الجامعات وفي الإحتجاجات الشّعبيّة. وقد كان لتونس، هذا البلد الصّغير في مساحته وفي عدد سكّانه شرف تدشين عصر الثّورات العربيّة. وردّدت الجماهير العربيّة الغاضبة وراء الشّعب التّونسي في مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي سوريا شعار الثّورة الأبرز الذي يختزل عذابات الشّعوب العربيّة: “لا ظلم بعد اليوم”.
ويعبّر عن تطلّعها في أن تكون لها “الولاية” على حكّامها، وليس العكس. غير أنّ أعداء الأمس: قوى استعماريّة باغية وتوابعها من الأنظمة المسلّطة على رقاب الشّعوب العربيّة وزوابعها من
مثقّفي السّلطات والبلاطات، وكهنة “الأيديولوجيّات الثّوريّة” وأشباههم من “كهنة الدّين”، ممّن ارتبطت مصالحهم باستمرار الفساد، تكالبوا على ربيع العرب قمعا وقتلا وتشريدا كما في
الحالتين المصريّة والسّوريّة، وفجّروا حروبا أهليّة كما في الحالتين اليمنيّة واللّيبيّة. أمّا تونس، مهد الثّورة ومنطلقها ومفجّرة شتاء الغضب على العصابات الحاكمة فهي في “منزلة بين المنزلتين”، وفي وضع “شبه شبه” فها هي ثورة الحرّية والكرامة تقترب من طيّ عامها السّادس بنصف ثورة وبنصف نظام قديم، مازال يتحكّم في المسار. ومازال السّؤال مطروحا: عيد بأيّة حال عدت يا عيد” ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock