تدوينات عربية

أسفاري واللغات الحية (25)

أحمد القاري
اليونان والسعودية
عدت لمعرض فرانكفورت في أكتوبر سنة 2015 بعد زيارة أولى سنة 2006. المعرض أقل جحما ولكنه ما يزال أحد أكبر معارض الكتاب. معظم من رأيتهم في الفندق حيث أقمت أشخاص حضروا لزيارة المعرض. فكانت فرصة للتذاكر حول قضايا النشر والكتاب والاطلاع على الفرق بين سياسات الدول المحكومة من شعوبها مع سياسات دولنا المحكومة من أشخاص يعتبرون أنفسهم مجموعة الأذكياء الوحيدة في البلد.
لاحظت أنه بقدر درجة الاستبداد في بلد يهبط مستوى مشاركته وجودة حضوره. حتى ولو أنفق أموالا كبيرة على جناحه.
وكان جناحا السعودية واليونان المتجاورين أحسن مثال على ذلك.
كان الجناح اليوناني مليئا من الكتب باللغة اليونانية في مواضيع مختلفة ولأعمار مختلفة. وكان مليئا من الزوار. وقد شهد إقبالا خاصا في يومي فتح المعرض للعموم. حيث امتلأ بأسر تتفحص الكتب المعروضة وتحادث أطفالها عن محتواها.
المكلفون بالنجاح اليوناني منتبهون ونشطون لمهمتهم في استقبال الزوار والحديث معهم. ولا شك أن المعرض كان بالنسبة لهم فرصة لإنجاز اتفاقات ترجمة وبيع حقوق وشرائها فهذا هو الهدف الأول من مشاركة الناشرين والموزعين في المعرض.
في الجانب الآخر كان الجناح السعودي فخما من حيث الديكور والألوان الزاهية والإضاءة الجيدة.
ولكن محتواه من الكتب كان بسيطا جدا. وأغلبه كان من منشورات مؤسسات حكومية. ونسبة من تلك المنشورات كتب دعائية يفترض أن توزع بالمجان.
كان الجناح فارغا تقريبا. فالأكيد أن الجالية العربية في ألمانيا لم تتحمس للقدوم إليه ولا إلى كثير من الأجنحة العربية التي طبعت مشاركتها الشكلية والاستعراض.
حتى جناح مصر كان بائسا بمحتواه من كتب يمجد كثير منها إنجازات عهد العسكري السيسي. الجناح المصري كان يحتفل بنشر كتاب حول قناة السويس الجديدة، واحدة من مشاريع السيسي العظيمة الكثيرة التي طواها النسيان سريعا.
أخذت زاوية مناسبة لرؤية كلا الجناحين اليوناني والسعودي في الوقت نفسه. وأخذت أتأمل هذا الوضع المزعج. الفرق واضح بين دولة ترعى النشر بلغتها مع قلة انتشارها في العالم وتشارك بهدف خدمة الكتاب اليوناني ونشره وبين مشاركة السعودية التي يقررها بيروقراطيون بدون رؤية واضحة ولمجرد تسجيل المشاركة.
مصاريف الجناحين هي نفسها إن لم تكن مصاريف الجناح السعودي أكثر. والمردودية مختلفة جدا.
حالة الأجنحة العربية في معرض الكتاب تبين أسباب ضعف حضور العربية في العالم وضعف الترجمة منها وإليها. وهو ضعف يستفيد منه من يرون الاستمرار في استخدام لغات أجنبية في تدريس العلوم وإدارة الندوات.
والحل يكمن في حكم الشعب لنفسه واتخاذه لقرارات السياسة اللغوية بحسب ما يصلح لكل بلد ولكل إقليم وليس وفق هوى حاكم يتخذ قراره من مكتب مركزي في العاصمة.
#لغات_حية 25

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock