السبت 2 أغسطس 2025
القدس العربي
القدس العربي

هشام المشيشي لـ”القدس العربي”: تم احتجازي في قصر قرطاج في 25 تموز 2021… ودول إقليمية تخشى انتقال عدوى الثّورة إليها قدمت الدعم لسعيد

القدس العربي

لندن: كشف هشام المشيشي رئيس الحكومة التونسية الأسبق عن تعرضه لـ”الاحتجاز” في قصر قرطاج في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو عام 2021، إبان إعلان الرئيس قيس سعيد عن تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة، وهو ما اعتبرته المعارضة انقلابا على المسار الديموقراطي في البلاد، مؤكدا أن سعيد تلقى دعما من أطراف إقليمية قال إنها تخشى انتقال عدوى الثورة إليها.

هشام المشيشي
هشام المشيشي

وقال المشيشي، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “في البداية، أنا أعتبر 25 تموز/ يوليو 2021 يوما أسود في تاريخ تونس. لأنّه أُسدل فيه السّتار على تجربة ومسار ديمقراطي كامل، كان – رغم هناته وعثراته وأخطائه – مصدر إلهام للمنطقة كلّها وللشّعوب التي تتوق إلى الارتقاء لدرجة المواطنة وتعتبر أنها أيضا، كبقية شعوب العالم الحرّ، لديها الحق في حياة سياسية كريمة وأن تتعامل مع منظوماتها السياسية ومع السلطة، كمواطنين كاملي الحقوق وليس كرعايا”.

وأضاف “وليس صدفة أنّ تكون تونس هي مصدر هذه الانطلاقة نحو الحرية والبناء الديمقراطي، لأنّ لديها كلّ المقوّمات اللّازمة، لكنّ – للأسف – جاء من لا يؤمن بالحرّية والمواطنة والعمل السياسي وأرجع البلاد إلى نادي الأنظمة المتخلّفة والانقلابات الفلكلورية الّتي كانت سائدة في الستّينات، وطبّع مع فكرة الانقلاب، بعد أن كان التونسيون قد بدأوا يتعوّدون على مشاهد انتقال السّلطة في بلدهم بطريقة حضارية وسياسية في مواكب يتسلّم خلالها الفائز في الانتخابات مهامه من سلفه الذّي يعود إلى بيته آمنا مطمئنّا”.

وفيما يتعلق بالشائعات التي تحدثت عن احتجازه في قصر قرطاج، قال المشيشي: “ما حدث معي شخصيا في يوم 25 يوليو 2021 – على خطورته – يعتبر تفصيلا صغيرا أمام ما تعرّضت له تجربة بلد كامل وما تعرّضت له أحلام أجيال من المناضلين السياسيين الذين أرادوا رؤية بلادهم ديمقراطية وشعبهم حرّ ويمتلك مصيره”.

وأوضح بقوله: “في ذلك اليوم، ذهبت إلى قصر قرطاج للاجتماع مع رئيس الجمهورية وبعض القيادات الأمنية والعسكرية لتناول الوضع الأمني في ظل الاحتجاجات الّتي كانت متواصلة آنذاك، لكنّني فوجئت برئيس الجمهورية في حالة تشنّج شديدة (أضحت الآن مألوفة لدى التّونسيين)، ويردّد كلاما خارج السياق، على غرار “الدّماء تسيل، سينقضّون على الدّولة، الّلوبيات، كلّ رصاصة ستجابه بوابل من الرّصاص”. في حين أنه لم يكن هناك ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن هناك من يعتزم استعمال الرّصاص. وأعلمني أنّه قرّر حلّ البرلمان والحكومة وأنّه سيتولّى قيادة البلاد لإنقاذها وأنّ اللّحظة قد جاءت. فأجبته أنّ هذا يعتبر انقلابا أو على الأقل تعليقا للدّستور وأنّه من غير المعقول الرّجوع إلى هذه الممارسات. فأجابني أنّ هذا هو قراره ولا رجعة فيه”.

وأضاف المشيشي: “حينها هممت بالمغادرة للتوجّه إلى مكتبي بالقصبة (مقر الحكومة) إلاّ أنّه تمّ منعي من ذلك، واحتجازي في قاعة بقصر قرطاج، ومنعي من المغادرة إلى وقت متأخّر من الليل. وبعد ذلك تمّ اصطحابي إلى منزلي بعد أن رفض فريق المرافقة المصاحب لي (طلبي) التوجّه إلى القصبة أو إلى البرلمان أو وزارة الدّاخلية، فالتعليمات كانت تقضي بتوجيهي إلى المنزل واستبقائي هناك تحت حراسة مشدّدة”.

من جانب آخر، كشف المشيشي عن تلقي سعيد لدعم من دول إقليمية، لم يسمها، لكنه قال إنها “تخشى انتقال عدوى الثّورة أو على الأقلّ المطالبة بالإصلاح فيها، وهي الّتي اعتادت لعقود على قيادة شعوبها بالحديد والنّار، وسحقها تحت آلة العسكر”.

وأوضح بقوله: “نجاح الانتقال الدّيمقراطي في تونس يمثّل تهديدا وجوديا لهذه الأنظمة ولداعميها. ولذلك فهي مستعدّة لبذل الغالي والنّفيس من أجل إفشال هذا الانتقال، وشاهدنا طيلة السنوات العشر من الانتقال الديمقراطي في تونس الهجمة الشّرسة والتّشويه الممنهج للتجربة من عدة أطراف بما فيها هذه الأطراف الإقليمية الّتي تعتبرها تهديدا لها وخصّصت لمحاربتها وسائل وإمكانيات ضخمة”.

وتابع بقوله: “خلافا لما يردّده المنقلب من أنّه قام بما قام به في 25 يوليو 2021 استجابة لنداء الواجب ونداء الشّعب وأنّه احتكم إلى ضميره للإعلان عن إجراءاته (وهي بالمناسبة سردية كلاسيكية يستخدمها كلّ المنقلبين في العالم)، فإن انقلابه جاء بدعم وغطاء داخلي وإقليمي مؤكد. ويكفي الرّجوع إلى أول البيانات الصّادرة في المنطقة والّتي باركت الانقلاب لنفهم من هي الجهات الّتي ساندت وساعدت قيس سعيّد في انقلابه”.

مهمة لإنقاذ تونس

وكان المشيشي أكد في بيان أصدره قبل أيام أن سعيد ساهم في تأزيم الوضع في البلاد حتى يصل إلى “اللحظة” التي مكنته من إعلان حالة الطوارئ وتعليق عمل البرلمان والحكومة.

وفسر ذلك بقوله: “لفهم مصطلح اللّحظة الذي يستعمله قيس سعيّد، يجب أوّلا فهم الميكانيزمات الذّهنية والنّفسية المحدّدة لتفكيره. فهو لا يفكّر بمنطق سياسي يجعله يرى نفسه في المكان الذي هو فيه (رئيس جمهورية) كشخصية تمّ انتخابها وتفويضها من النّاخبين على أساس برنامج سياسي يحاول تنفيذه على أساس صلاحيات ومهام يحدّدها الدّستور”.

وأوضح المشيشي: “سعيّد لديه تمثّل للسّلطات ولدوره أقرب إلى التمثّل الدّيني منه إلى التمثّل السياسي. فهو يرى أنّه تمّ اختياره من القدر في إطار ابتلاء. وأنّه تمّ اختياره لأنّ فيه خصائص منفردة غير موجودة في النّاس المحيطة به (النّزاهة، الصّدق، الأمانة)، وكأنه النبي صالح في قوم ثمود (كما أشار ذات مرة)”.

وأضاف: “والاختيار هذا هو تكليف بمهمّة (شبه دينية) تتمثّل في إصلاح قومه الغارقين في الفساد وقيادتهم إلى سبل النّجاة! ومن شدّة فساد قومه فإنّهم سيستضعفونه وسيقاومونه. وستشتدّ محنته (أسوة بقصص الأنبياء) وسيعاني الويلات من مؤامرات قومه الفاسدين. وهو سيقاومهم بكلّ “شجاعة وبأس”، إلى تأتي لحظة يسوقها له القدر ويسخّر له فيها كلّ الوسائل ليتمكّن (بالمعنى الدّيني للتّمكين) من مقوّمات القوّة الّتي ستجعله ينتقم ممّن حاربوه ويزيحهم ليقود شعبه أو قومه إلى الخلاص!”.

وتابع المشيشي: “فاللّحظة – حسب تصوّره – هي التّوقيت الذّي قرّر فيه القدر أو العناية الإلهية أن تمكّنه من وسائل القوّة جزاء لصبره وإيمانه بقدره وواجبه في تخليص قومه من براثن الفساد. وبطبيعة الحال في وسط هذا التمثّل فإنّ كلّ الوسائل والطّرق، بقطع النّظر عن مدى أخلاقيتها بحسب المعايير المعروفة عند عامة البشر، تصبح مشروعة عنده ما دامت ستساهم في التّعجيل بالوصول إلى اللّحظة الموعودة. فبثّ الفوضى وتعطيل مؤسّسات الدّولة وعرقلة عملها ونشر الأخبار الزّائفة وتشويه النّاس، تصبح كلّها وسائل مشروعة يتمّ استعمالها بضمير مرتاح”.

مقاومة وليست معارضة

وحول فشل محاولات توحيد المعارضة، قال المشيشي: “أود إبداء تحفظ على استعمال مصطلح “المعارضة” في السياق التونسي الحالي، فأنا أعتقد أنّ المعارضة بالمعنى السياسي للكلمة لا تستقيم إلاّ في ظلّ مناخ سياسي ديمقراطي توجد فيه سلطة شرعية منتخبة وتمارس مهامها، ويقابلها وجود تيّار سياسي أو ائتلاف لمجموعة تيارات متقاربة فكريا وسياسيا تعارض خيارات هذه السلطة وتسائلها وتراقبها، وتُبرز مواطن الخلل في سياساتها وتقدّم للشّعب أو للنّاخبين عرضا سياسيا بديلا وتحاول إقناعهم به ليصوّتوا لصالحها في المحطّة الانتخابية المقبلة لتتولّى هي السلطة عندئذ”.

وأضاف: “في تونس حاليا نحن أمام انقلاب يقوده شخص منفرد خرق دستور البلاد ودفع بمدرّعات عسكرية لمحاصرة البرلمان والمؤسّسات السيادية للبلاد وأغلقها ونكّل بالقائمين عليها وانتصب حاكما أوحدا لا رادّ لأوامره ولا يُسأل عمّا يفعل. وهذا ليس عرضا سياسيا لنعارضه، بل هو انقلاب، فإمّا أن نقاومه ونتصدّى إليه بكافة الوسائل السلميّة المشروعة، أو أن نصطفّ معه ونتحمّل وزره بعد ذلك. فالأسلم في تقديري في هذه المرحلة هو أن نتحدّث عن مقاومة وليس عن معارضة”.

وتابع بقوله: “لا أعتقد أن التيارات المناهضة للانقلاب فشلت لكنّها تواجه صعوبات كبرى في العمل المشترك لأنه تمّ ضرب كافة قيادات هذه التيارات والزّج بها في السّجون وتخوينها وتشويهها في عيون التّونسيين وإغلاق مقرّاتها خارج الأطر القانونية، وهو ما أربك العمل السياسي لهذه التيارات وجعل عملها يتمحور أكثر حول الجانب الحقوقي للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين. وهذا يُضاف إلى الخلافات السياسية العميقة والمزمنة بين مختلف هذه التيارات الّتي لم يستطع بعضها – وبالرّغم من الاشتراك في المحنة – من مدّ اليد إلى الآخر والوقوف في صفّ واحد لمواجهة الانقلاب”.

وحول إمكانية تأسيسه لحزب جديد، قال المشيشي: “أغلب السياسيين في تونس اليوم بعد الانقلاب، إمّا في السّجون أو المنفى. وأنا أنتمي للفئة الثّانية، فأنا كآلاف التونسيين اجتثثت من بيئتي ووطني بفعل الانقلاب، فأنا لم أرضَ لنفسي أن أسير في ركاب من يرى أنّه الحاكم المطلق الذّي لا يعترف بدستور ومؤسّسات، ويرى نفسه المصدر الأوحد للشرعية وكلّ معارضة هي خيانة وتآمر وتستحقّ السّجن والتنكيل. ولم أرضَ لبلدي ولأبناء وطني أن يرتدّوا إلى الاستبداد وإلى هذا الهوان بعد أن قدّمت لهم الثّورة الحرّية والكرامة”.

وأضاف: “ولا أفكر حاليا في تأسيس حزب جديد في هذه المرحلة الّتي أعتقد أنّه يجب خلالها تركيز كافة المجهودات حول فكرة غلق قوس الانقلاب، ووضع الأسس الضّرورية للإعداد إلى مرحلة ما بعده. وأؤكّد دائما ضرورة التقاء كافة المبادرات السياسية والمواطنية أيّا كان مصدرها، والّتي تشترك في الحدّ الأدنى الديمقراطي الذّي سيأسّس خارطة طريق ما بعد الانقلاب. وفي هذا المجال أعتقد أنّ عدم التنظّم الحزبي بمعنى الانضمام الهيكلي إلى حزب من الأحزاب يمنحني حرّية عمل وسلاسة أكثر في بلورة مبادرات مشتركة نستثمر فيها العلاقات الطيّبة وعلاقات الاحترام الّتي تجمعني بالعديد من التّعبيرات السياسية الحزبية”.

لا رسائل لقيس سعيد

من جانب آخر، رفض المشيشي توجيه رسائل إلى الرئيس قيس سعيد “لأنّه – وبكلّ بساطة – العنوان الخطأ لكلّ مبادرة أو فكرة للحلّ. فلا يمكن لمن كان المشكل أن يكون هو نفسه الحل. كما أن توجيه الرّسائل السياسية هو عمل سياسي بامتياز وقيس سعيّد ليس عقلا سياسيا ولا يعتمد آليات العمل السياسي لحلّ المشاكل وإدارة الخلافات، بل يعتمد أفكارا مُسقطة يرى فيها حلولا مبتكرة لم يأت بها الأوّلون وهي الّتي ستمثّل بالنّسبة له آليات الحلول للمشاكل الّتي تطرح أمامه، وإلى الآن لم يتمكّن أحد من فكّ شفرة الحلول المبتكرة هذه”.

وتساءل بقوله: “ما هي الرّسالة الّتي ستوجّه إلى من قام بانقلاب على مؤسّسات الدّولة؟ هل ستكون دعوة للحوار؟ هو يرفض الحوار ويبدو أنّ مجرّد استعمال هذه الكلمة يجعله لا يستمع إلى كلّ ما يأتي بعدها. وهل يستقيم الحوار مع من انقلب على مؤسّسات الدّولة وخرق الدّستور؟”.

ولكنه خاطب المعارضة بقوله: “أحيّيها على تمسّكها بالخيار الديمقراطي في هذه الظّروف وأدعوها إلى التّعالي عن خلافاتها وتوحيد الجهود نحو هدف أساسي في هذه المرحلة وهو غلق قوس الانقلاب بالطّرق السلمية والمدنية، على الأقل حتّى تسترجع مربّعات الفعل والاختلاف السياسي الذّي لا يؤدّي إلى السّجن. وأعتقد أنّ الثّمن الباهظ الذّي دفعته مختلف هذه التّيارات السياسية سيجعلها في الفترة القادمة تتقارب أكثر فأكثر وتوحّد آليات العمل من أجل إسقاط الانقلاب”.

وفيما يتعلق باتحاد الشغل، قال المشيشي: “لا أريد أن أكون قاسيا في رسالتي إليه، خاصة في هذه الفترة، بالنّظر إلى أنّ العديد من قياداته الجهوية والقطاعية تمرّ هي كذلك بمحنة السّجون والاضطهاد، وبطبيعة الحال لا أملك هنا إلاّ أن أعبّر لهم عن تضامني التّام معهم، لكنّ الحقيقة هي افتقدنا الاتّحاد في دوره الطّلائعي في هذه المرحلة، إذ لم نر الاتّحاد الذّي نعرفه كخيمة للمضطهدين، ولم نسمع له صوتا عاليا، كالّذي كنّا نسمعه في حماية حقوق المواطنين الذّين سحقتهم آلة الانقلاب!”.

وختم المشيشي بالقول: “رسالتي لا يمكن أن تكون إلاّ دعوة إلى منظّمة كلّ التونسيين أن تضطلع بدورها التّاريخي في أن تصطفّ مع الحقّ وتقف في وجه الظّلم وأن تفتح أبوابها إلى كلّ المنكّل بهم أيّا كانت انتماءاتهم، فالوجع واحد، وهذا شرف للاتّحاد”.

القدس العربي


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

محمد ضيف الله

محاولة انقلاب جاءت باكرا جدا..

محمد ضيف الله تم في نهاية الأسبوع الحديث عن محاولة انقلاب فاشلة في الأردن. نعم …

Mehdi Mabrouk

تونس… وحدة وطنية أم اصطفاف وراء خيار الرئيس

مهدي مبروك أشار الرئيس التونسي قيس سعيّد، باقتضاب شديد، في معرض حديثه قبل أيام في …

اترك تعليق