أبو يعرب المرزوقي
لما قلت أول مرة إن مجيء أمريكا بترسانتها إلى الأبيض التوسط ليس المستهدف بها إيران وميليشياتها لم يصدقني أحد. بل هو تركيا وقد تبين أمس في سوريا.
فما كانت إسرائيل تقدم على ما فعلته من دون ضوء اخضر أمريكي. وقد حذرت تركيا من أنها هي المستهدفة مع علمي بأن تركيا ليست غافلة عن ذلك. لكن قد يفرغ صبرها فتقع في المحظور.
دورها في سوريا من علامات وعيها بمراد إسرائيل وأمريكا وأوروبا وروسيا وإيران والعرب المطبعين كلهم. لكن مهما كانت حذرة فإنها قد لا تصبر أمام الاستفزاز البين الذي يباشره ضدها كل هؤلاء.
والأخطر منهم جميع الحرب الأهلية شبه المعلنة في تركيا ذاتها وهي حصان طروادة التي يخيف أي سياسي يفهم سر القوة واستعمالها في الحروب لأن الأتراك والعلويين والشيعة والعلمانيين وحتى الحمقى من دجالي السنة يتآمرون عليها بما يحول دونها والدخول في حرب بشعر مفتت.
ولما قلت مرة إن الحلف بين ايران وإسرائيل سيصبح علنا فقد تبين في الموقف من سوريا الحالية وقد علما وأن عبيد إيران من العربان يتصورونها معادية لها وصديقة لهم.
وقد سبقت علامة شهيرة هي الموقف من حرب الأرمن على دولة المسلمة ومساعدتها سابقا وخسارتها لما تدخلت تركيا فيها. وما هي مفيدة مثل سابقة أخرى هي ما فعلت إيران وميليشياتها في سوريا مما جعل إسرائيل أقل توحشا منها.
وطبعا فلا يمكن في هذه الحالة أن تغامر تركيا فتدخل حربا لا يمكن أن تنجو مما قد يترتب على إجماع كل من ذكرت على الانضمام لإسرائيل بهدف القضاء عليها بمساندة كل من ذكرت وخاصة كل أعدائها في الداخل التركي والعرب المطبعين.
إذن ما الحل؟
لا بد من الصبر وانتظار فشل ترامب وخاصة فشل ضمه روسيا لحلف هو الذي أشرت أنه ما يطلبه بوتين حتى يتحرر من التبعية للصين وسيتقاسم مع ترامت أوروبا والوطن العربي والتركي لأن بوتين يتنظر ذلك بفارع الصبر.
فكلما زاد عداء روسيا لأوروبا ازداد اقترابها إلى الحلف مع روسيا وإيران وإسرائيل والعبيد من العرب المطبعين ومن الصعب أن يستعد الغرب الأوروبي للتحرر من الكماشة الأوروبية الروسية سيزداد المشروع الإيراني والإسرائيلي الذي يقف منه العرب موقف الصم البكم العمي الذين لا يعقلون ولا يرججوون.
وما لم يتدخل مكر الله الخير فإن الأمة الإسلامية ستعاني ربما قرنا آخر من التبعية والمعاناة. قد تنقرض المحميات العربية كلها وتتقاسم إيران وروسيا وإسرائيل وأمريكا لأن العرب نكصوا إلى القبلية قوميا وإلى العنصرين إسلاميا فتعود الأمة إلى التبعية المطلقة من إندونيسيا إلى المغرب.
وقد حاولت تقديم خطة استراتيجية ستمكن المسلمين من هزيمة كل هؤلاء الأعداء ولبها تكوين قوى موزعة على جغرافية دار الإسلام كلها تكون جنس قادة الطوفان وقادة الربيع كما في غزة والشام تفتت قوى الأعداء باستراتيجية المطاولة الأفغانية.
ونظرا لاتساع دار الإسلام وتعدد شعوبها وتجاربها الجهادية التي تجمع بين قيم الإسلام وما حصلته الأمة خلال قرني النهوض من قوى حديثة توزع على ما يقرب من 60 دولة إسلامية حتى يتم تعجيز كل الأعداء بداية من أحصنة طروادة الداخليين.
تلك هي الخطة التي ستعجز أمريكا -وهي رغم الناتو- أعجزتها أفغانستان بمفردها ناهيك عما يمكن تكوينه في الستين دولة بنفس المنطق ولكن مع تجنب الحروب الأهلية التي تسيطر حاليا على كل المحميات وما بينها:
في الغرب العربي بين الجزائر والمغرب
في المشرق العربي في الهلال بين كل ايران وروسيا
في الخليج بين محميات أمريكا وإسرائيل
في النيل بيتن السودان ومصر
في القرنين بين اليمن والصومال.
وحينئذ فأقل من عقد صمود ستنهار كل القوى المتحالفة ضد الأمة
لكن حذاري ثم حذاري أن تحجل تركيا وباكستان في بداية المعركة لأن الأعداء سيبدؤون بهما حتى يفقدوا الأمة إمكانية المشارك في الغاية بالردع الذري وبقية الأسلحة التي هي الملجأ الأخير إذا ضمد الأعداء أمام هذه الإستراتيجية الفتاكة.
فكل الحروب يربحها من حاز على الأسلحة الخمسة التالية:
- الديموغرافيا ونسبة الشباب إلى الكهول.
- الجغرافيا شبع للامتناهية والمتصلة والواصلة بين القارات كلها.
- الموروث الروحي المتنوع والموزع على كل شعوبها بما فيها جالياتها في الغرب.
- الموقع في مفاصل المعمورة التي تحول دون اجتماع المغربين والمشرقين لمحاربتها لأن الأمة حائزة على ما غناء على دور الأمة فيها أعني ثروات الطبيعة ومعادن الأرض وخاصة ممرات الحركية بين المحيطين الأكبر وبقية المحيطات الثانوية.
- وأخيرا المجد التاريخي الذي عادت إليه عامة الشعوب وخاصة عنفوان الشباب. لذلك فلا بد من اقصى المناورة الدبلوماسية التركية والباكستانية حتى “يتهرى الأعداء” لمنع ضربهما قبل أن يصل الأعداء إلى الهشاشة الكافية.
وهذا ممكن حاليا لأن نظام العالم المقبل شرع في الانتظام وهو ما سيؤدي إلى تصالح قوى الشرق الأقصى بين اليابان وكوريا الجنوبية والشمالية وسيضطرون للاعتماد على انفسهم لعدم الاطمئنان للغرب بقيادة روسيا وأمريكا.
فلا تبقى الأمة بين فكي كماشة بل هي ستكون مخطوبة لما فيها من ثروات ومعادن وطاقات وممرات الكل يحتاج إليها ومن ثم فهذا عامل يجعل الشرقين والمغربين يتجنبون الصدام معنا ومحاولة استمالتنا لصفه خاصة ونحن صرنا ديموغرافيا ممثلين لربع الإنسانية.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.