نصر الدين السويلمي
في مثل هذا اليوم 3 مارس من العام 1961 تمكنت السلطات السويسرية من التوسط لعقد آخر لقاء مصالحة بين الرئيس الحبيب بورقيبة والزعيم صالح بن يوسف، بمدينة زوريخ.

تم اللقاء الذي ألح عليه بورقيبة وقبله صالح بن يوسف شريطة حضور الجانب السويسري، خوفا من الغدر، وكان بورقيبة يهدف إلى احتواء صالح بن يوسف وإقناعه بأن الأمر انتهى وأن أقصى ما يمكن أن يناله بن يوسف هو العفو عنه والسماح له بالعودة للعيش في تونس.
اشترط بن يوسف على الوسطاء أن يعامل نفس المعاملة التي يعاملها بورقيبة ندا لند وألا يعامل بورقيبة كرئيس دولة وصالح كرجل عادي. الأمر الذي وافقت عليه السلطات السويسرية.
المشهد كما نقلته الوثائق السويسرية وغيرها من المصادر: خرج بورقيبة من غرفة نومه ودخل قاعة الفندق وكان فيها بعض الأفراد من الشرطة السياسية السويسرية، كان بورقيبة بصحبة وسيلة بن عمار وعلالة العويتي وبشير زرق العيون وتوفيق ترجمان، ثم دخل صالح، ومد بورقيبة يده للمصافحة، لكن بن يوسف امتنع عن مصافحته.
وبدأ الحوار:
تكلم بورقيبة: “إنني أحترمك كثيرا، وأريد أن نتعانق وأن ننتهي من خلافاتنا، التي لم تعد لها في الواقع سبب يذكر. خصوصا وقد أحرزنا استقلالنا. إذن فلنضطلع بهذه المهمة معا. أما الباقي فقد كنت أنا على حق. وكنت أنت مخطئا. ذلك لأن الاتفاقيات الفرنسية التونسية، لم تكن خطوة إلى الوراء، بل كانت خطوة إلى الأمام”.
فرد صــالح بن يوسف: “ليس صحيحا. مازلت أعتبر الاتفاقيات، خطوة إلى الوراء. والاستقلال الصوري، الذي تحدثتني عنه، ليس إلا كارثة على تونس والثورة الجزائرية. التي اعلم بأنك تتآمر عليها. وأن هذه العصابة التي تحيط بك، لا تشجعني على مصافحتك وعلى معانقتك. أما الاستقلال الصوري، فإنه لم يتم الحصول عليه إلا بفضل معارضتي للاتفاقيات. وللتأكد من ذلك عليك الرجوع إلى تصريحات ادغافـور و بينـو و آلاي سفاري و جي مـولـي في البرلمــان الفرنسي في جوان 1956″. {وكان القادة الفرنسيون قد أكدوا في تصريحاتهم أمام الجمعية الوطنية في جوان 1956 على أهمية بروتوكول 20 مــارس 1956 لإيقاف الثورة التونسية بقيادة صــالح بن يوسف وقطع كل محاولة لمساعدة الثورة الجزائرية ومنع دخول تونس الجامعة العربية عن طريق هذه الاتفاقيات وتكريس زعامة بورقيبة صديق فرنسا الذي سيضطلع بكل هذه المهام..} وواصل بن يوسف كلامه قائـلا: “وعليك أن تعلم، أنه لولا الإلحاح السويسري على مقابلتك لما قابلتك، نظرا لخيانتك التي لا تستحق الصفح”.
رد بورقيبة: “مازلت مصرا على قصر نظرك”.
ثم توترت الأجواء وتحول الاجتماع إلى ملاسنات وساد الهرج وكادت تحدث اشتباكات.. حينها اضطرت الشرطة السويسرية إلى التدخل وإخراج صــالح بن يوسف من القاعة.
انتهت المقابلة إلى فشل جديد في لم شمل الأصدقاء الأعداء.. مقابلة استفاد منها بورقيبة، حيث سمحت له بطي صفحة الاحتواء وفتح صفحة التصفية الجسدية، والأغلب أن بورقيبة أحضر معه بشير زرق العيون ليقف على الأمر بنسفه ويبدأ في نسج جريمة الاغتيال التي قادها زرق العيون لاحقا باستعمال المؤسسة الأمنية والمخابرات التونسية.
والملفت أن بشير زرق العيون القاتل هو قريب صالح بن يوسف المقتول، ولدا معا في جربة ميدون لعائلة موسعة، رغم ذلك قام بشير بتصفية قريبه في عملية غدر بشعة ارتكز فيها المجرم على الطمأنة الأسرية والجهوية لصالح بن يوسف.
رحم الله صــالح بن يوسف.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.