السبت 22 مارس 2025
أبو يعرب المرزوقي
أبو يعرب المرزوقي

الغرب وعجزه الأكيد عن تحدي الإسلام (5/3)

أبو يعرب المرزوقي

الاستراتيجيا عامة معادلة سياسة المعمورة في السلم وفي الحرب
ألصقت يوم 25 جانفي 2012 في الصفحة الأولى من كتابي “المقاومة: محاولات في تحليل الاستراتيجيا” هذه العبارة “حتى لا يكون الربيع العربي سايكس بيكو جديدة فلنجعله فوضى خلاقة موجبة تحقق أهدافنا ” منتخبة من المقالة الرابعة وعنوانها: في استراتيجية الثورة – المقاومة.
وهو الكتاب الذي أهديته شباب الأمة والمجد في اجتهاده وجهاده لتحرير الإنسانية من الظلم والاستبداد خلال نشره سنة 2008..

لذلك فما اعبر عنه هنا هو زبدة هذا العمل في الاستراتيجية هذه وهي بؤرة سياسة المعمورة أو تكوينية الجيواستراتيجيا القرآنية التي هذا هدفها والتي ملخصها:

  1. في السلم مبدأي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشر من الحجرات لتعليل الحفاظ عليها بما تضمنته الآيات التاسعة الى الثانية عشر من الحجرات لتحقيق شروط العيش المشترك في الجماعة الواحدة أو بين كل الجماعات الإنسانية.

  2. وفي الحرب الآية ستين من الأنفال المؤسسة لوحدة المتعدد والمتنوع في الشعوب والقبائل للتعارف معرفة ومعروفا بغية تحقيق المساواة بينهم وجعل التفاضل بينهم عند الله مقصورا على التقوى فتتسالم الشعوب وتتعارف الحضارات لتتخاصب مساوقة وتتوارث تواليا.

وبذلك فالاستراتيجيا التي سأتكلم عليها هي التي تجعل التساخر في الجماعة الواحدة موجبا لهذه الرؤية المحققة للتكامل بين السلم والحرب جمعا بين اعتبار سياسة المعمورة تساخرا عالميا للمتساوق والمتوارث دون إغفال سبل تحقيقها سلميا بالأمر بالمعروف حفاظا على التعايش السلمي والنهي عن المنكر منعا للاستبداد والظلم أساسا للحرب الشرعية.

ذلك أنها من دونها تتحول السياسة سواء كانت داخلية أو خارجية إلى حرب دائمة أهلية في الأولى وكونية في الثانية وتلك هي الحال التي وصفتها في الفصلين الأولين من هذه المحاولة كما بينت في الفصل الأول منها لعلل حرب المستبدين والظالمين وبيئتها وفي الفصل الثاني لعللها في التصدي لها بمنطق النهي عن المنكر فشعارها في القرآن هو التحرير من عبادة العباد للعباد بعبادة العباد لرب العباد..

بعد هذا التمهيد سنحاول الجواب بمحاولة تحديد الرؤية الإسلامية كما عرضها ابن خلدون في كلامه على نظرية الحرب والسلم بين البشر وفي سياسة التربية للإنسان وسياسة الحكم للجماعة ولسياسة الإنسانية كلها في المعمورة.

فكتاب المقدمة سيكون منطلقنا في طلب السنن الكونية لشروط السلم والحرب خوضا واستعدادا للدفع ردا على العدوان.
والطلب كما في الفتح بشروط استهداف تحرير العباد من عبادة العباد بعبادة رب العباد في سياسة المعمورة دون تجاوز أخلاق المعاملة التي تتجنب الفساد في الأرض وسفك دماء الشعوب حصرا للقتال بين الجيوش مع رعاية كرامة الأسرى بعد تحقق التمكن الرادع.

فكيف قسم ابن خلدون هذه العلاقة بين الشعوب في سياسة المعمورة بمنظور الإسلام علما وأنه بالمقارنة مع اليهودية والمسيحية يعده الدين الوحيد الذي لا يقتصر الدين فيه على البعد الروحي من الإنسان بل هو يتعداه للبعد المادي وما يترتب على الاستعمار في الأرض من شروط السلم والحرب خلال تقاسم المكان والزمان فيها إما بقيم الاستخلاف أو بدونها.

فإذا خاض الإنسان حربا شرعية طلبا (الفتح وهو فرض كفاية) أو دفعا (رد العدوان وهو فرض عين) أو حربا غير شرعية (العدوان إما بتحول الفتح إلى غزو) سواء في نفس الجماعة وهو البغي أو بين الجماعات المختلفة فإن الحرب العدوانية الممكنة ملازمة لسياسة المعمورة ومن ثم فلا بد من الاستعداد لها في السلم إما لمنعها بالردع أو لربحها بالحرب (الأنفال 60).
ويتم الأمر دون أن يكون ذلك لفرض الأديان لأنه يشترط في الإيمان بأي منها الحرية التي تقتضي تبين الرشد من الغي في اختيار أحدها (البقرة 256) ويطالب الدولة بحمايته وتمكينه من ممارسة تعليماته العقدية والفقهية دون تدخل من الدولة (المائدة 48).
وقد حدد سياسة الردع بالاستعداد لها من حيث الشروط الأداتية (القوة بمعنييها: عامة وهي شروط الرعاية كلها وعسكرية وهي شروط الحماية كلها) والغائية (المحافظة على حرية الإرادة ورجاحة الحكمة في الفرد والجماعة) وصنف الأعداء وحذر من إحدى العداوات لأن معرفة أصحابها من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

ولما كانت الحرب إما فرض كفاية أو فرض عين فإن الأمر يقتضي أن تنقسم الحرب إلى نوعين مختلفين تماما رغم انهما يعتمدان نفس القيم الخلقية التي حددها القرآن للحرب التي لا تفسد في الأرض لا تسفك الدماء.
فحرب الدفع فرض عين ومن ثم فكل الشعب بجنسيه يشارك فيها بداية من سن الرشد.
وحرب الطلب فرض كفاية يشارك فيها حامية الدولة والمتطوعون من الجنسين.

وهو ما يقتضي أن الفرض الأول الممكن الذي قد يصبح فرضا على الجميع يتطلب أن يكون الثاني شرطا في تكوين كل الشعب لاحتمال العدوان من الأعداء التي صنفتها الآية 60 من الأنفال.
ومن ثم فلكأن كل إنسان ذكرا كان أو انثى مضطر للاستعداد للفرضين العيني والكفائي. وبذلك يكون السلم ثمرة يشارك في تحقيق شروطها كل إنسان ذو إرادة حرة وحكمة راجحة.
وهو ما يعني أن الكلام على الفطرة وكأنها ممثلة لبعد الخير والسلم من حياة البشر دليل تجاهل أهم قاعدة في سياسة المعمورة العامة -الجيوبوليتيك- والخاصة في جماعة معينة تقتضي فهم ما يؤدي إليها البشر خلال الاستعمار في الأرض يتنافسون في تقاسمها وتقاسم خيراتها الضرورية للقيام العضوي وما يترتب عليه حتى للقيام الروحي تنافسا خيرا وعادلا أو تنافسا ظالما وشريرا.

وابن خلدون يعلل ذلك بالفطرة أيضا ويسميه “مد اليد” لملك الغير في نفس الجماعة وتلك هي علة الحماية الداخلية أو بين الجماعات وتلك هي علة الحماية الخارجية.
وهما ملازمتان لسياسة المعمورة في كل العصور لأن هذا التنافس يحدث في الجماعة الواحدة وبين الجماعات المتجاورة تساوقا في المكان وتواليا في الزمان.

وذلك هو تاريخ الإنسانية الملازم لوجود البشر ومن ثم فلا يوجد عصر خلا من فلسفة سياسة المعمورة أو الجيوبوليتيك والتحالف بين جماعات ضد جماعات سواء في نفس الأمة أو بين الأمم المختلفة.
وبهذا المعنى فإن الكلام في سياسة المعمورة لا يمكن ألا يكون كونيا وتقاطبيا ولا جديد فيها إلا من حيث الأدوات لأن دوافعها مرسومة في كيان الإنسان بسبب وحدة دور الجغرافيا في كيانه العضوي ودور التاريخ في كيانه الروحي.

وشروط انتظام الجماعات لأداء هذين الدورين رهن بتكوينه المحافظ على شروط إرادته الحرة وحكمته الراجحة أو المفرط فيها بحيث إن سياسة المعمورة تعود في الأخير إلى طبيعة التربية المحافظة عليها أو المفرطة فيها تكوينا للجماعات الحرة وللجماعات المستعبدة في تاريخ البشرية.
فتكون سياسة المعمورة بالمنظور القرآني رهن رؤيته للتربية والحكم المحافظين على حرية الإرادة ورمزها البأس ولرجاحة الحكمة ورمزها العقل.

وهما ركنا مفهوم القوامة السياسية الداخلية والخارجية الجامعة بين الفرضين العيني والكفائي كما تحدده الآية 38 من الشورى وفيها خمسة مقومات:

1. الأول هو الاستجابة للرب أي الإيمان بأن الشروط الجغرافية والتاريخية لقيام الإنسان العضوي والروحي لا يكفي فهما عمل الإنسان بل لا بد مما اكتشفته المدرسة الأشعرية في نظرية أفعال العباد وعدم الاكتفاء بالتحسين والتقبيح العقليين.
وذلك هو علة مفهوم الكسب أي الاستجابة لتشريع متعال على التشريع الإنساني.
2. الثاني هو علامة هذه الاستجابة وهي إقامة الصلاة أي الدعاء من أجل التوفيق في فعل العبد حتى يكون تحسينه وتقبيحه مشروطا بالتعالي على النزوات والحرية الفردية المطلقة بل لا بد من تطبيق مضمون سورة العصر التي (1) تخرج الإنسان ذي الإرادة الحرة والحكمة الراجحة من الرد اسفل سافلين إذا اتبع النزوات والهوى فيسترد التقويم الأحسن بـ(2) الإيمان (3) والعمل الصالح (4) والتواصي بالحق (توافق الجماعة ذات الإرادة الحرة والحكمة الراجحة) (5) والتواصي بالصبر.
3. الثالث هو التعامل مع امر الحكم بوصفه امر الجماعة وليس امر الفرد: أمرهم
4. الرابع وهو الشورى لسياسة الأمر بوصفه امر الجماعة وليس امر الفرد
5. الخامس وهذا الأمر هو الإنفاق من الرزق الذي هو رزق مادي (شروط القيام العضوي) ورزق روحي (شروط القيام الروحي).
فالقيامان علة كل صراع بين البشر خلال التنافس على تقاسم المعمورة مكانيا وزمانيا لأن البشر لا يتحاربون إلا بدافع قيمي مادي (شروط القيام العضوي والحياة) أو قيمي روحي (شروط المجد والشرف).


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي

هزيمة الصهيونية؟ شرطها تحقيق ما تخيف به الغرب منا

أبو يعرب المرزوقي لو كانت أكاذيب إسرائيل التي تستعملها لإقناع الغرب بأنها في خطر وأنها …

أبو يعرب المرزوقي

الغرب وعجزه الأكيد عن تحدي الإسلام (5/2)

أبو يعرب المرزوقي تكلمنا على موانع تحدي الغرب في وضعيته الراهنة للمسلمين إذا عملت هذه …

اترك تعليق